رولز رويس في شوارع البؤس

أحمد ديركي:

إن كنت هاوياً لعالم السيارات أو محترفاً أو مطلعاً عليه، فسيكون مألوفاً لك عالم الرولز. وإن كنت لست ممن يهتمون بهذا العالم فقد تكون المعلومات حوله مفيدة. ولكن في كلتا الحالتين، وإن تعلق بعالم السيارات أو لا، فسيكون الأمر مفجعاً.

تعتبر سيارة الرولز رويس واحدة من أغلى سيارات العالم وأفخمها، ولا يقتنيها إلا من يملك الملايين أو المليارات. فالسيارة في الأساس بريطانية الصنع ومعظم أجزائها تصنع يدوياً، ومع التطور التكنولوجي ما زالت محافظة على عراقتها وتصنيع جزء كبير منها يدوياً. ويمكن لمن يرغب في اقتنائها أن يطلب بعض من المواصفات به المتوافقة مع ذوقه، ولهذا سعر إضافي يضاف إلى سعرها الرسمي.

إضافة إلى تصنيع جزء كبير منها يدوياً، هناك أمور تتعلق بالمواد المستخدمة في التصنيع والجلد الطبيعي ونوعية الخشب المختارة وآخر الابتكارات التكنولوجية وغيرها من التفاصيل الدقيقة التي لا تعد وتحصى، ولكل تفصيل إضافي ثمنه، ما يؤكد أن سيارة الرولز سيارة لا يمكن للعامة ومن فوق العامة أن يحلموا بامتلاك واحدة من أصنافها، فالرولز سيارة الأغنياء وما فوق فقط.

جل ما يمكن فعله لهواة هذا العالم أن يمتلكوا صورة لها، أو يشاهدوها على وسائل التواصل الاجتماعي، أو يحصلوا عليها من تنزيل بعض الألعاب الإلكترونية على الهاتف الخلوي أو الكومبيوتر الخاص.

أرخص سيارة رولز يبدأ سعرها من ٣٠٠ ألف دولار وما فوق، طبعاً يعتمد على ما يمكن إضافته من تفاصيل فخامة عليها.

مع لحظ أن ٣٠٠ ألف دولار سعرها في دولة المنشأ، من دون إضافة أي ضرائب أو رسوم جمركية أو بوليصة تأمين وما يتبع من تكاليف نثرية.

لنتفق على سعر للعمل عليه، ولنقل سعر سيارة الرولز في بلد المنشأ، إن أردت امتلاكها سوف تكلف بحدود ٣٥٠ ألف دولار، بالزائد قليلاً أو أقل قليلًا ما من مشكلة، لنعتبر الفرق هو ثمن البنزين.

ليس من المستهجن أو المستغرب ولا يثير الشعور بالغضب والاشمئزاز مشاهدة رولز تسير في شوارع الولايات المتحدة الأمريكية أو دول الاتحاد الأوربي أو دول الخليج العربي، فهي بلاد تصرح علناً أن نمط إنتاجها ليبرالي، أو نيو ليبرالي. لكن مشاهدتها تسير واثقة من نفسها في شوارع الفقراء في بلاد تقول إنها ليست ليبرالية وليست نيوليبرالية فهذا منظر يستدعى تفجير الغضب الطبقي، وبخاصة مع وجود أشخاص في شوارع الفقراء من يقول ويصرح يومياً إنه موجود دعماً للفقراء، وكل ما يقوم به من أجل الفقراء!

للتوضيح لا أكثر، يبلغ سعر سيارة الرولز في سورية ما يزيد عن مليوني دولار أمريكي. لامتلاك سيارة كهذه لا بد أن تكون ثروة مالكها تزيد عن ١٠ أضعاف ثمنها، كحد أدنى.

فوجود هكذا أثرياء في بلد تبلغ نسبة من يعيشون دون خط الفقر ما يزيد عن ٩٠%، ويعاني من حرب طاحنة، وحد أدنى للأجور لا يتخطى عتبة ٢٥ دولاراً شهرياً، ويعيش أزمات مفتعلة للوقود لرفع سعره، ملحقة بأزمة خبز مفتعله لرفع سعره (وقد ضاعفا سعر الخبز فعلاً)، وغداً أزمة مجهولة لسلعة غذائية لرفع سعرها، من دون  لحظ مستويات الدخل وتعديلها بما يتلاءم مع (تحرير) أسعار السلع، ومقولات وخطب طنانة أن الجميع يعمل لرفع العبء عن كاهل (المواطن) ويتفانى بخدمة الفقراء، وكل ما يؤخذ من قرارات ويصاغ من قوانين كلها تصب في مصلحة الفقراء وحمايتهم من الفقر.. كل هذه الأقوال الجميلة الشكل والفارغة المضمون، تشير إلى أن القرار الفعلي لمن يملك الرولز، وأمثاله، لأنه يقودها بحماية أصحاب الخطب الطنانة، متجاهلين ما يمكن أن تولده الخطاب الطنانة الفارغة المضمون وممارساتها الفعلية، بشكل معاكس لمضمونها، على أرض الواقع، من انفجار غضب الفقراء، وحينئذٍ من سوف يحمي صاحب الرولز الواثق من سيره في شوارع الفقراء من انفجار غضب الفقراء؟ وماذا ستكون تبريرات من يحميه؟

العدد 1104 - 24/4/2024