نجاح في زمن كورونا

محمود هلال:

عشية عيد الأضحى صدرت نتائج الثانوية العامة في سورية، وكان العيد للناجحين عيدين، وبعد العيد صدرت نتائج التعليم الأساسي، ولا شك أن للنجاح لذته وحلاوته خاصة في هذه الأيام العصيبة التي نعيشها مع انتشار وباء كورونا، وما كان له من انعكاسات صعبة على الطلاب، وخاصةً نفسية، في فترة تقديم الامتحانات وما سبقها هذا العام من قلق وخوف وتوتر.

يقال: (الناجح يرفع إيده)، وذلك تعبيراً عن فرحة النجاح وحلاوته، وهي الفرحة التي لا تعادلها فرحة في العمر، وقد كانوا على حق في ذلك آنذاك أيام كان النجاح في (السرتفيكا) له قيمة ومكانة مادية ومعنوية أيضاً، إذ كثيرون كانوا، بموجب هذه الشهادة، يصبحون معلِّمين في المدارس. والحصول على شهادة الكفاءة، كان يعني تحقيق نصف المستقبل، ومن كان يحصل على الشهادة الثانوية، فـ(بيت أبيه وأمه في القلعة)، أما من كان يكمل تعليمه الجامعي فهو حالة نادرة يُضرب به المثل.

لكن ماذا عن النجاح في هذه الأيام؟ لقد أصبح تقريباً لا طعم له ولا لون ولا رائحة، إذا كان نجاحاً عادياً وبعلامات قليلة. كما أصبحت الدراسة الجامعية اليوم شبه حلم لكثيرين من الناجحين.

أعتقد أن شعار (الناجح يرفع يده) لم يعد يتماشى مع عصرنا الحالي، بل أصبح المطلوب (الأول يرفع يده)، إذ أصبحت الدراسة الجامعية للأوائل والمتفوقين وأبناء الأغنياء وميسوري الحال فقط.

أعتقد أن النجاح في الشهادة الثانوية هو عبارة عن عتبة وصول، ومنها ينطلق الطالب إلى المرحلة الأعلى وتحديد مستقبله، وقد جرى تحديد موعد الدورة التكميلية لطلاب الثانوية العامة الراسبين في بعض المواد، وللذين يريدون تحسين علاماتهم في مواد أخرى، لكن جميع الطلاب الناجحين وأهاليهم يبقون في حالة توتر وقلق شديدين إلى أن يصدر الإعلان عن مفاضلة القبول الجامعي، وقد جرت العادة أن تكون صادمة ومرتفعة ومرشحة لارتفاعات أكثر، مثل درجات الحرارة لهذا الصيف، كما يتوقع المتنبئون الجويون. أي عند إعلان النتائج النهائية للمفاضلة وتحديد المصير، حينذاك يتلقى الطلاب الناجحون الصدمة الثانية، فتتحطم أحلام الكثيرين وتتبدّد أمانيهم، ويُزجُّ ببعضهم في كليات وفروع لا تتناسب مع ميولهم ورغباتهم، لا من قريب ولا من بعيد، وهكذا نصنع (رجال المستقبل)، فغالباً، ما دامت الأوضاع على هذا المنوال، يكونون أناساً غير فاعلين أو فاشلين تماماً في المواقع والمناصب والوظائف التي سيشغلونها، وكثيرون منهم يبقون عاطلين عن العمل لعدم توفر فرصة العمل المناسبة للاختصاص الذي قد يمضون سنوات من عمرهم للتخرج فيه.

إذاً، فرصة العمل هي بيت القصيد، والاختصاصات العادية لم تعد تؤمّن هذه الفرصة، مثلما كانت أيام زمان، فلذلك أصبح الجميع يتنافسون على اختصاصات محددة كالطب والهندسة والمعلوماتية وغيرها.

ومن الطبيعي أن الجامعات الموجودة لا يمكن أن تستوعب جميع الناجحين، فدرجت العادة منذ أعوام على رفع معدلات القبول الجامعي حلاً للمشكلة، فهل نبقي على هذا الحل؟ أم يجب أن يكون هناك طرق وحلول جديدة تُفتح من خلالها أبواب التعليم العالي للجميع، كاعتماد امتحانات قبول لكل كلية واختصاص يراعى فيها أولاً رغبات الطالب وميوله والنواحي التي يمكن أن يبدع ويفيد فيها، ويراعى فيها أيضاً ما تحتاج إليه الدولة من خريجين من جميع الاختصاصات على التوازي، العلمية والأدبية.

قد يقول قائل: نظام القبول الجامعي عندنا عن طريق التسجيل بالمفاضلة ووفق المعدلات العالية جداً يبقى أفضل من غيره، ويعللون ذلك بأنه لو تحول إلى نظام قبول آخر، لما تعلم سوى أبناء الطبقات الغنية وأبناء المدعومين والمسؤولين، على أساس الوساطة والمحسوبيات، وكثير من أبناء الطبقات الفقيرة سيبقون خارج حرم الجامعة!

باعتقادي النتيجة ستبقى نفسها، فإذا ناقشنا الأمر من جانب آخر، فليس جميع الطلاب عباقرة وقادرين على الحفظ والبصم للحصول على مجموع كامل الدرجات أو معظمها في الشهادة الثانوية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى أغلب الطلاب غير قادرين على تحمل نفقات الدراسة في الجامعات الخاصة، أو السفر للدراسة في جامعات الدول الأجنبية، وبذلك سوف يبقى كثيرون خارج أسوار الجامعة ودون مؤهل تعليمي، وسيبقى الخلل أيضاً!

أعتقد ان المشكلة ذاتها تتكرر في كل عام، تبدأ بالتزاحم على مراكز التسجيل، وتنتهي بخيبات أمل عند كثيرين، فهل نفكر جدياً في حل هذه المعادلة الصعبة، ونخلق حالة من التوازن بين طرفيها الأساسيين: نظامَيْ التعليم والعمل؟!

العدد 1105 - 01/5/2024