معلّم المستقبل

علا عبد الله:

لا يختلف اثنان في دور التربية والتعليم وأهميتهما في بناء المجتمع، كما لا يخفى على أحد محاولات القطاع التربوي، ولا سيما خلال السنوات العشر الأخيرة، فقد صبّت وزارة التربية كل اهتمامها في تطوير المنهاج المدرسي وإخضاع المدرسين لدورات مكثفة للتعامل معه، ولم توفر جهداً تستطيع أن تقدمه ولاسيما في الفترة الماضية، إذ رأينا الوزارة مشكورة في الميدان، تراقب وتوجه وتتابع وتتدخل وتعمل بأقصى طاقاتها وإمكانياتها، إلا أن المتابع يرى أن محور الاهتمام هو (المنهاج)، وهذا أمر طبيعي ولا يمكن أن يبدأ التطوير إلا به، ولكن بعد أن أنجزت هذه المناهج، بدا من المهم الاتجاه إلى (المعلم)، فهو ربان السفينة وهو الذي يقود العملية التربوية إلى بر الأمان، والنجاح مرهون بجهوده وإخلاصه في العمل، لذلك لا بد من أن نبحث في الصورة التي نريد أن يكون عليها (معلم المستقبل).

إنني أرى من موقعي كمدرّسة أنه ينبغي أن نخلق ذلك المعلم المؤمن بنفسه وبقدسية عمله، المؤمن بأهمية ما يفعل وبدوره في خدمة المجتمع وبناء الوطن.

يجب أن نخلق معلماً مؤمناً بأن التعليم فعالية مليئة بالشك والتعقيد، ولا يستطيع معها أن يطبّق ما تعلّمه بشكل عشوائي، وإنما بحاجة إلى بحث مطول وتفكير عميق وإجراء التعديلات دائماً، والتعامل مع خصوصية المواقف وتفرّدها.

نحتاج في المرحلة القادمة إلى المعلم الباحث والمتفرغ للبحث الإجرائي، المتمكن من فحص ودراسة أدائه وفعاليته لتحسين فاعلية التعليم وكفاءته.

إننا لا نستطيع أن نقنع معلّماً بتطبيق استراتيجيات تحتاج إلى إمكانيات مادية باهظة، في ظل عدم توفر تلك الإمكانيات بين يديه، وسيظل يشعر بأن هذه الاستراتيجيات منفصلة عن الواقع وغير ممكنة التطبيق، كما لا نستطيع أن نقنع معلماً بتطبيق استراتيجيات كالبحث والاستكشاف وغيرها وهو يتعامل مع ثلاثين طالباً في الحصة الواحدة أو أكثر.

نحتاج إلى خلق معلم قادر على التخطيط لعمله بوعي يمكنه من أن يأخذ بعين الاعتبار من يقوم بتدريسهم، ويمكنه من فهم طبيعة نموهم المعرفي، فنحن بحاجة إلى المعلم المثقف القادر على الملاحظة والتأمل والاستقصاء والتفسير وتوظيف معارفه بما يخدم أهدافه، ولن نستطيع أن نقنع معلماً بضرورة إلمامه بأي علم من العلوم التي يحتاجها وهو يكاد لا يجد وقتاً لإنجاز ما عليه من مهام.

إننا بعد هذه الدورات المكثفة للمناهج نحتاج إلى دورات متعلقة بفنون الإدارة الصفية والوعي بأساليب التعزيز والعقاب، والدورات التي تأتي بالمعلم النموذج والقدوة المؤمن بأنه مهندس سلوكي، وأنه مسؤول عن كل أمر مرتبط بطلابه وبمدرسته، وأن عليه مراقبة أنماط السلوك وتعديلها، لأنها ستصبح سلوكات مجتمع، وأن عليه أن يكون مزوداً بمهارات القرن الحادي والعشرين، كالتواصل، والعمل ضمن فريق، والتعامل مع التكنولوجيا، وغير ذلك.

يجب أن نبحث ونفكر في خلق معلم قادر على خلق الدافعية، وقادر على التعامل مع معتقدات الطلبة عن أنفسهم بما يزيد الكفاءة الذاتية لديهم. ولا نستطيع أن نقنع معلما ببذل كل هذا الجهد ما دام يجد أن ما يتقاضاه من أجور لا يستحق كل هذا العناء.

ولا نستطيع أن نقنع معلما بأن من واجبه تهيئة البيئة الصفية وتأمين الأمان العاطفي والعمل بأقصى الجهد على تنمية المهارات والمواهب وتعزيز القيم والأهداف الوجدانية مادام يفكر في لقمة عيشه.

نحتاج إلى معلم منتمٍ إلى مجتمع المتعلمين وقادر على صوغ معاييره أو تطويع المعايير المطلوبة منه مع ظروفه، معلم قادر على التدخل في المحتوى التعليمي ويمتلك حرية التصرف بما يحقق أهدافه.

 نحتاج إلى معلم يتفهم أسس التقويم وأساليبه وأهدافه، ومستعد لبذل الجهد والوقت لذلك.

لذا يجب أن نعيد النظر في بيئاتنا التعليمية، وأن نضحّي بالمال في سبيل تحسينها وتطويرها وأن نوكل مهام أمناء المخابر والمكتبات إلى حاملي شهادات تؤهلهم للنهوض بواقع المخبر والمكتبة وتفعيلهما.

كما يجب أن نحفظ للمعلم جهده وكرامته، وأن يكون لصوته صدى، وقد نجد كل هذه الإمكانيات عند الكثير الكثير من معلمينا، ولكن علينا أن نفجر هذه الطاقات ونستثمرها في عملية البناء والتطوير، وأن نبذل المال والوقت في سبيل العلم، لأن تكلفة الجهل أكبر ولا يمكن للوطن أن يتحملها.

 لمعلمينا وطلابنا وكل العاملين في القطاعات التربوية كل المحبة وكل التوفيق!

العدد 1104 - 24/4/2024