اعملوا لنعرفكم!

الدكتور سنان علي ديب:
قبل الحرب المعقدة المركبة والمتعددة الأهداف والغايات ولغاية هذه الايام كان الكلام والتنظير هو سائداً، وكيف لا وليس هناك جمارك عليه ولا محاسبة بكل أنواعها من المؤسساتية وصولاً إلى الشعبية، باستثناء بعض الحالات التي هي ليست بسياق ما نخطه بيراعنا، ولأنه ضمن ما نبوح به سينالنا جزء كبير من التنظير اللا منتمي لما نحن بصدده، وهو عنوان عريض نراه بكل وسائل الإعلام التقليدية والحديثة، فقلنا نجد الجدال أول الخلاف حول محتوى النص، وأن الغاية هي الاستفادة عبر التصحيح أو التصويب أو الإقناع، وهو ما وجدناه في عز الخلاف الحواري والفكري حول المسار الاقتصادي قبل الحرب، وهو مصطلح أطلق عليه لاحقاً باسم النائب الاقتصادي الذي طالما كان شفافاً وصريحاً ببرنامجه، ولكن أغلب المنتقدين لاحقاً كانوا مصفقين. وخلال الحرب ازدادت التنظيرات وخاصة بالفساد، وطالما وجدنا من يصعد إما كان شريكاً بالأصالة أو الوكالة، وهذا ما نلتمسه بهذه الأيام من أصحاب مناصب سابقة شركاء بالخراب أو بواقين لحرف المسار وملفات الفساد تحيط بهم، ولكن هنا صلب الموضوع، فالكلام لا جمرك عليه، ويبقى السؤال: ماذا فعلت؟ وماذا تفعل؟ وهل الجينات المحاطة بالانتهازية التي دفعتهم إلى المشاركة يمكن أن تشفى وأن يصبحوا توابين صادقين؟!

(اعمل لنعرفك!) مصطلح يجب أن يكون عنواناً لكل البرامج الوزارية السابقة ولكل الوزراء ومن كل الخنادق، فطالما سمعنا شخوصاً تتعب وتتعبنا من التنظير بمدينة أفلاطون، وعندما جلسوا على الكرسي ووصلوا، نسوا ما نظروا به وقطعوا التواصل وأفاضوا فساداً وسوءاً وتخريباً، وطالما وجدنا من ينقد ويحرم على الآخرين ويحلل لنفسه، وطالما وجدنا من أتعبنا بالتنظير الشوفيني وتحوّل لاحقاً عكس مجراه ولحق التيار، وهو ما ألفيناه فيما سمي العولمة أو اللبرلة التي ما فتئ البعض يكتبون ويهللون ويصارعون وهم إما جاهلون بأحرفها أو يدعون الجهل، ولكن الغاية مواكبة تحولات القوة الغالمية، فقد كانوا إن غيمت في موسكو حملوا الشماسي، واليوم إن زُكمت واشنطن حملوا المناديل.

اعملوا لنعرفكم! فلن نثق بأي إعلام يسوّقكم ويحاول تلميعكم.
ولسنا ممن ينجرّون للعواطف التائهة.
انتصِروا على الإرهاب الاقتصادي بكل أدواته. اضبطوا الأسعار، قوِّضوا الاحتكار، فعّلوا كل الإمكانات، اضبطوا الحدود، اجعلوا مصلحة الوطن هي الأعلى لا مصلحة البعض من عابري الحدود والبرامج، قوِّضوا الفساد، افرضوا الإصلاحات الإدارية وافرضوا من يعيدون الثقة عبر الأعمال لنتعرف عليهم من منجزاتهم وليكونوا في أهبة من مراقبين ومتابعين ومحاسبين.
اعملوا لنعرفكم وابعدوا عن الإعلام غير الحيادي وغير الاستقرائي والاستنباطي،
واجعلوا الإعلام يلاحقكم ليكون جسراً لإنجازاتكم.
اعملوا لنعرفكم وصوِّبوا الخطوات لتعود السفينة للإبحار، ولتكونوا سالمين غانمين ولتبعدوا رهبة محاسبة القوانين.
اعملوا لنعرفكم، لتكونوا أداة العودة القوية ومنارة لعودة المنظومة القيمية والأخلاقية المنحرفة التائهة. اعملوا ليكون العمل معيار التقييم ولتكون المنافسة هي الطريق الصحيح القويم والمتجاوز الأمراض الوبائية من كيدية وابتزاز وإفساد وتضليل.
اعملوا لنعرفكم ولننتصر على كل الأمراض الذاتية والموضوعية، ولنُعِد لمواطننا كل الحقوق التي تبخر معظمها وهي لن تعود إلا عبر أعمال تعيد العدالة الاجتماعية وترمي حيتان الفساد ودواعش الاقتصاد إلى سلة المهملات، أعمال تحق الحق وتتعالى عن الصغائر وتسامح وتضبط وتعاقب عند الضرورة.

اعملوا لنعرفكم، ولنواجه خطابات وتنظيرات فاسدين أتعبونا من كلامهم عن النزاهة والشرف.



العدد 1104 - 24/4/2024