الدراما الجيّدة تحتاج إلى مجتمع مُعافى

حسام محمد غزيل:

مع بداية الموسم الرمضاني، وقبل أن ينطلق بث القنوات الفضائية للأعمال الدرامية، لاقت الدراما انتكاسة كبيرة تتعلق بالأزمة التي تلف العالم، والتي أوقفت كثيراً من الأعمال وعطّلت بعضها بشكل أربك عملية إنتاجها. هذه النقطة البسيطة أُضيفت إلى بحر ما يعصف بالدراما من مطبّات ومحن، جعلت الضيف الذي كنّا نستعد متلهفين للقائه يغدو بالنسبة لنا غرائبياً هجيناً، وخصوصاً مع الاستهلاك السريع الحاصل لإنتاج الدراما وعرضها.

أصبح المشاهد يتعامل مع كثير من الأعمال بعقلية تناول الوجبات السريعة، تؤكل دون التفكّر كثيراً بطعمها ومدى جودتها. لا يزال المشاهد بالعموم، والسوري خصوصاً يشتاق للدراما التي سبقت سنوات الحرب، يشتاق لحميميتها وطرحها وأفكارها وجودة العمل

(نصاً، إخراجاً، تمثيلاً وإنتاجاً) بعد أن غدا العمل الدّرامي السوري ماركة جودة مسجلة تنافس بقوة على الصدارة، حدثت الانتكاسة حاملةً معها إرباكاً أفقدها كثيراً من نقاط قوتها، بتراجع الإنتاج تحوّل الكثير من الفنانين والفنيين للعمل خارج البلد ضمن الأعمال المشتركة التي وإن حقّقت شهرة أوسع وحظيت بظروف إنتاجية أفضل، غير أنها لم تبلغ جودة ما كان يقدم سابقاً، نأمل في كلّ عام تحسّن الوضع ولا نقع إلا على عمل أو اثنين يدفعان بنا للتفاؤل، ونتوقع من خلالها شراكات وتجارب أكثر تميّزاً، فنفاجأ بالعكس ونعيد البحث مُجدّداً.

تحضرني مقولة سمعتها يوماً: إن الدراما الجيدة تحتاج إلى مجتمع صحي ومعافى، فهل بما نحن عليه لنا الحق في أن نطلب من الدراما ألّا تتأثر بكل هذا الجنون الحاصل خلال السنوات الماضية؟ كيف يمكن لها اليوم وضمن كل هذه الانتكاسات الأخلاقية والاجتماعية أن تكون بخير مع فقر بالإنتاج ورداءة بسوية المنتج، مع تراجع القيمة الفنية لصالح حسابات تُجّار البسطة ومُحدثي النعمة الذين غزوا الإنتاج الفني بعقليات فارغة فأربكوه؟ وبدا واضحاً التساهل بالكتابة الدرامية واعتبار الثرثرة مساندة للدراما بملء أوقات العرض، انخفاض المردود المادي لكثير من العاملين في هذا القطاع اضطرهم للعمل بشروط عمل مجحفة، وقد يكون كثير منها غير مرضياً، وأوجد الفرصة للمتسلقين والمستغلين للظهور، فحوّلوا الإنتاج الدرامي لمباراة ديكة تحضرها المتعة لكنها أيضاً تعد جميع من حضر وشارك باستثناء أصحاب الديوك والمشرف على الرهان خاسر.

بعد كل ما ذكرت وما يمكن لي ذكره، نحن أمام حقيقة لا يمكن إنكارها، العمل التلفزيوني بما هو عليه يتحوّل بالمطلق تقريباً للأثر السلبي على المجتمع، ويهدّد صناعة استطاعت لسنوات أن تكون مفخرة لنا جميعاً.

 تحدّي المجتمع هو ذاته تحدّي الدراما بالتغلّب على كل ما شابه وشابها ليعود صحياً قادراً على أن يقدم النفع والفائدة والمتعة بإتقان رفيع المستوى تستحقه سورية بما فيها من قدرات ومواهب قادرة على المنافسة، وجمهور واعٍ يستحق الأفضل بأن يرى صورة تلامس واقعه بصدق وتعالج قضاياه، تخلق البسمة من مفارقات تدفعنا نحو مشاهدات أفضل.

العدد 1104 - 24/4/2024