إلى الدّراما… إلى من يهمه الأمر
غزل حسين المصطفى:
إلى ذلك السّرير الذي مازال عالقاً في
ذاكرتي حتّى الآن، وتفاصيل القضية الفلسطينيّة وحق العودة المزروع في نبض عروقي،
إلى الأستاذ سعيد وزوجته صفية وذاكرتهم ووجدانهم القابع في منزلهم في حيفا، إلى
كلِّ تلك القيم الّتي كانت ترتدي مشاهد تلفزيونيةً في مسلسل (عائد إلى حيفا).
بكل خجل أقول لكم إنّ القضايا باتت (موضة
قديمة) وقد تنصّل صُنّاع الدراما من دورهم في بثّ الرسالة وحمل اللواء بطريقتهم.
إلى عبير الطّفلة الصّغيرة في مسلسل(الطّير)، الّتي علّمتنا جميعاً معنى الوفاء
والصّداقة، وكيف يمكن للأنثى أن تكون جندياً مقداماً تذود عن نفسها وحقها.
أقول لها: يُروَّج اليوم للأنثى على
أنها (كائن هرموني)! نعم، هذا المصطلح حرفياً يُستخدم لرمي النُّكت والاستهزاء بـ(جنس
حواء) الذي لا نفع منه إلاّ في المؤامرات النّسويّة الكيديّة ونقل الكلام
والصّبحيات (على حد تعبيرهم).
إلى دراما الأسرة، الدّراما الّتي
كانت جزءاً من سهرات العائلة الحميمة يوماً ما، باتت لمزاتها وهمساتها وتلك
النّظرات غير البريئة تُقصيها عن دورها، بل وتوقع الأهل في متاهة إيجاد جواب عن
سؤال (بابا، ماما: (س) ما تزوجت، كيف حامل!؟ مين أبوه للولد؟ لازم تروح لعند أم
زكي).
إلى دراما الأسرة، التي كنا نرى فيها أنفسنا وزوايا منازلنا
ونضحك على همومنا ومُرِّ
أيامنا، أصبحتِ غريبةً عنّا، فلا تلك البيوت الفارهة تُشبهنا ولا حياة السّهرات
والرّحلات السّياحية تعنينا.
إلى دراما اليوم، وقوالبها الشّمعية لمعايير الجمال
الجسديّ، ونمطية المرأة في سعيها فقط للوصول إلى فارس أحلامها، وحالات الخيانة
التي جعلتنا نكاد نُنكر وجود زواج صادق ونفوس وفية.
إلى دراما اليوم التي أنزلت عن كاهلها موضوع الإضاءة على
التاريخ والإنجازات ومناقشة القضايا، وتحوّلت إلى عصام وزوجاته الأربع و(الصبي)
حامل لواء العائلة المنتظر.
إلى دراما 2020 من جعلت العصا وسيلتها الأولى للتفاهم،
وحالة التعنيف وصورة الدماء على وجوه النساء مشهداً يمرُّ دون رقيب وبكلّ بساطة،
إذ لا مشكلة.
أين الرُّقي؟!
أين الرقابة؟!
أين المجتمع المحلي ممّا تصورون؟!
أين كيان المرأة ووجود الرجل؟!
أين العبر والدروس المستفادة؟!
قد يسأل القارئ: لماذا نُحمّل الموضوع أكثر ممّا ينبغي؟!
ببساطة ولمجموعة أسباب في نظري:
_أننا لم نعهد الشكل الحالي للدراما، إذ إنها
تُناقش وتهتم بمن سيكون البطل عوضاً عن الفكرة التي يرمي لها العمل، ممّا انعكس
على الجودة بشكلٍ واضحٍ.
_نحن ندرك أن الرسائل الّتي توصلها الدّراما
ستستقر في لاوعي المشاهد، فعوضاً عن كونها جزءاً مساعداً في التّقدم وتغيير مسار
بعض النّقاط السّلبية، هي اليوم تُعزّز الخطأ بطريقة فظيعة.
_جيل الشّباب الصّاعد وما يعانيه اليوم _نعم
يعاني_ من مشاكل نفسية وعدم رضا عن واقعهم وأنفسهم وانجرافهم باتجاه الدرك الأسفل،
فلحاقهم بأبطال المسلسلات فعلاً وشكلاً وقولاً، يُقصيهم يوماً بعد آخر عن بلوغ
العُلا ورسم المستقبل (وهنا لا يمكن أن نُعمّم).
رسالتي هذه ليست إلى دراما 2020 فقط، فليست هي أساس الانحطاط،
بل إن الخط البياني بدأ منذ سنواتٍ عدّة بالنزول والوضع إلى تراجع، ومن واجبنا أن
نقول كلمتنا ونرصد الواقع لعلّ الصوت يصل إلى من يهمه الأمر.