عصر العولمة والعمل عن بعد

وعد حسون نصر:

مع التطور والتقدم الذي شهده العالم في الآونة الأخيرة وخاصةً مع التطور التقني، أصبح من اليسير أداء كثير من الأعمال من أيّ مكان دون الحاجة إلى الانتقال إلى مكتب معيّن وتكبّد عناء المواصلات أو القيادة، وهذا يوفّر النفقات والوقت ويحسّن إنتاجية العمل، ولا يشترط أن يكون العمل عن بُعد عملًا حراً أو مستقلاً، فقد تعمل بنظام الدوام الكامل أو الدوام الجزئي ولكن عن بعد، كما أن العمل عن بعد لا يعني بالضرورة أن تعمل من المنزل، بل يمكنك أن تستأجر مكتباً في بعض المقاهي أو مساحات العمل المشتركة القريبة من منزلك، وبالطبع تصفح عبر الإنترنت الذي يمكن القول إنه يُعدُّ مع ثورة التكنولوجيا الأخيرة كسوق عمل كبير عن بُعد.

ولعلّ أهم خصائص العمل عن طريق الإنترنت عدم التقيّد بزمان ومكان معينين، أمّا من حيث الأجور فالعامل قد لا يحصل عن طريق الإنترنت على الأجر ذاته الذي يحصل عليه العامل في نظام العمل التقليدي، والعمل عن بعد لا يحتاج إلى التقيّد بساعات عمل مُحدّدة… الخ.

ميّزات كثيرة للعمل عن بعد، كتوفير المال على ربّ العمل لعدم احتياجه إلى إقامة بناء واقعي لعمله، وتمكين الفرد من استغلال الوقت وتسخيره لصالحه في أداء المهام الموكلة له، كذلك يُعتبر وسيلة لتشجيع ذوي الاحتياجات الخاصة على العمل والاعتماد على الذات، ويمكّن العمل عن طريق الإنترنت صاحب العمل من مراقبة العاملين لديه وتقييم أدائهم بشكلٍ أدق، كل هذا وغيره يحققه العمل عبر الإنترنت من مزايا وإيجابيات، لكن لا يخلو الأمر من بعض العيوب كالتكاليف المادية الباهظة، إذ يحتاج بعض المتطلبات التقنيّة واسعة المدى كتوفّر وسيط تقني ملائم. العزلة الاجتماعية التي قد تُصيب الفرد الذي يعمل عن طريق الانترنت، تقييد العامل بوظيفة مُحدّدة يقوم بها وبالتالي يفتقر للخبرة والترقي الوظيفي، الاضطرار لقياس العمل بالاعتماد على سياسات إدارية جديدة.

لعل وراء هذه المزايا والعيوب للعمل عبر الإنترنت مقوّمات ساهمت بنشوء مثل هذا النوع وربما تكون ساهمت في نجاحه منها البطالة، فقد ساهم تفشي البطالة وتفاقمها إلى لجوء العاطلين عن العمل إلى البحث عن وظائف تدر عليهم الدخل المادي، فيضطر الفرد للعمل عن طريق الإنترنت للحصول على المال لتأمين احتياجاته الأساسية على الأقل، العادات والتقاليد التي تفرض قيوداً على حرية المرأة ومنعها من العمل في المجتمعات المختلطة، لذلك تلجأ للعمل في منزلها عن طريق الإنترنت، ويكون ذلك من خلال القيام بأعمال الحاسوب، والترجمة، والتأليف. يبقى السؤال لنا في سورية: هل العمل عن بعد تخدمه المقومات المُتاحة لدينا، وخاصةً أننا نخرج من حرب مازالت عجلتها تدور في بعض المناطق ومازال ركامها للآن عنواناً على بعض الطرقات، إذ الكهرباء مازالت قيد التقنين، وشبكة الإنترنت ضعيفة ولا تخدم من يعمل أو يتلقى، إضافة لنوعية المستخدمين، فالأغلبية جاهلة بوسائل التواصل والإنترنت التي هي مجرد تسلية لديها، لذلك لا يمكن أن تخدمنا في كل المجالات، إذ إننا حتى ضمن قطاعات الدولة مازلنا نعاني من انقطاع الشبكة، ونذهب مراراً لنستطيع إخراج ورقة غير موظف أو لا حكم عليه ويكون التأخير بسبب عدم توفّر الشبكة، وهو حال معظم المصارف، ومثال فقط للتذكير جائحة كورونا بيّنت سبب ضعف خدمة الإنترنت، فالبلد تعاني ازدحاماً حتى خلال فترة الحجر والإجراءات الاحترازية، والذريعة دائماً ضعف في شبكة الإنترنت فكثيرون لم يحصلوا على رواتبهم، والأغلبية لم يحصلوا على مخصّصات التغذية والدعم، وكل هذا سببه ضعف شبكات الخدمة سواء الكهرباء أو الإنترنت. فلنتمكّن من مواكبة الأمم علينا أن نبحث في المعوقات وندعمها ونصحح مسارها، فمن غير المعقول أن العالم واكب الحضارة وبدأ يجدول قوائمه عبر الاتصالات ونحن مازلنا تحت رحمة الباقات والتحديد، مازلنا تحت رحمة التقنين وانتظار التيار الكهربائي لساعات، مازلنا نقف على الصرّافات ساعات لنحصل على راتبنا، لذلك من وجهة نظر شخصية لا أرى أن العمل عن بعد في هذه الفترة الراهنة يناسب وضع البلد، علينا أن ندعم البنية التحتية ونقوّم خلل القطاعات وخاصةً الكهرباء والنفط ومن ثم ننظر للاتصال عن بعد، بعد ذلك نقول إننا واكبنا عصر العولمة.

العدد 1104 - 24/4/2024