شدّوا حزام الحياة جيداً لننجو!

حسام محمد غزيل:

منذ الصغر ونحن نسمع عن جزئية نصف المجتمع (نصف ربيع الآخر)، أو المجتمع كله، الصورة تُلخّص دورة الحياة بكل أطيافها: الطفلة، الأم، المعلمة، وما لها من دور كبير في حياتنا وقدرة على الخلق والإبداع والتجدّد كفصول السنة.

لكن دوماً يُنظر إلى دور المرأة منفصلاً ومتفرّداً عن دور الرجل، قد يكون بحسن نيّة وقد يخفي الكثير، لِمَ لا يكون الحديث ولو لمرة واحدة عن الدورين معاً كما خُلِقا (المرأة والرجل)؟

تقديس المرأة بدايةً كان من قدرتها على الخلق والخصوبة وعدم فهم الرجل لهذه القدرة وجهله بها، قد يكون في مراحل إنسانية شتّى تنكّرٌ لدورها مجتمعياً وتغلّب الطابع الذكوري على المجتمع ككل، لكن دورها ظلّ محفوظاً بأنها الأم التي لا مكانة تضاهي مكانتها في حياة البشرية ووجودها، المعلمة التي تعطي وتعلّم وتربّي، المرأة التي تُشكّل الحياة بأنوثتها الخاصة، وتضفي سحراً جمالياً خاصاً على حياتنا وتعيد ترتيبها، لتخلق منّا شعراً وفناً وإبداعاً نظلُّ طوال العمر نحاكي كينونته الأنثوية.

غير أني اليوم أريد الحديث عن المرأة والرجل معاً، المرأة أم ومعلمة وربّة أسرة، والرجل أب ومعلم وربُّ أسرة، في مجتمع يخوض وحل الحياة حتى أنفه، يحاول جاهداً النجاة بنفسه ومن معه بأقلّ الخسائر المادية والأخلاقية والمجتمعية، مجتمع يتراقص حول خط الفقراء مترنّحاً ومتشقلباً ومُعلّقاً بكلتا يديه، يحاول منع السقوط والانجراف نحو هاوية الفقر والعوز الذي يأخذ معه حدود الكرامة والهوية، لنكون أمام مشهدية من العجز المدمّرة روحياً والممزقة لكيان الأسرة ومنظومة التعليم، نحن ملزمون ومحكومون بالأمل، لكن هذه الحياة تطحن بكل جبروتها، نماذج كثيرة سقطت في اختبارات التحمّل وهذا لا يشترط شرط الاكتفاء المادي من عدمه، لكن تشوّه المنظومة الأخلاقية والمجتمعية انعكس على الكل.

نعود لخطّ الفقر والجوع محيّدين قليلاً من يتراقصون فوق هذا الحبل طيراناً، قفزاً، مشيا،ً ولنأخذ دقيقة من الوقت ونحن نفكّر بمخصصات حياة كاملة تحتمل التقنين الفكري والمادي والاجتماعي والنفسي، أرواحاً تفتّش عن مخصصات تنقذ أرواحها في البطاقة الذكية والبنود المتاحة من خلالها، من زحام الانتظار بكل طوابير الحياة ( خبز، غاز، مازوت، بنزين)، إلى الطوابير المحدثة (زيت، سكر، شاي)، الإنسان المنتظر المحترق نفسياً ووظيفياً، يحاول جاهداً عدم التخلي بشكل كلي عن مهامه ضمن دائرة ( أم، أب، معلم/ة، ابن/ة، زوج/ة)، يحاول الحفاظ على توازنه وسط هذا الزلزال الكامن شكلاً الفاعل ضمناً، وسط كل هذا تعتبر كل الدراسات والإحصائيات والمقاييس الانحدار أكثر أمراً محتوماً، فخطُّ الفقر لا يرحم مَن هم دونه، جميعنا نأمل بالخلاص ولا يمكن رغم كل هذا التخبّط إنكار المجهود الذي يُبذل في محاولات إيجاد الحل، لكن التخبّط الاقتصادي الذي ألزمتني به الأزمة الحالية على طول زمنها، أرهق فعلياً الكثير من الطاقات والتجارب.

نحن أمام تحدٍّ صعب نحاول جاهدين الحفاظ على الأمل لنبثّه بكل المحاولات على أمل النجاة، وريثما تنفرج الأمور وتقترب من الحل الذي نطمح إليه متفائلين بأن الظلمة تسبق النور، والألم يسبق الولادة، سيكون صمّام المرأة والرجل في كل أدوارهم هو الحب والرغبة بأن يكون القادم أفضل، هو الالتزام الضمني بأن شعور الأمومة والأبوة لن يتخلى عن دوره بسهولة، وريثما نصل إلى المحطة القادمة بسلام، شدّوا حزام الأمان لأسركم جيداً، حزام الأمان، الحب، الطمأنينة، التشارك، التكامل، شدّوا حزام الحياة جيداً لننجو!

العدد 1104 - 24/4/2024