سيمفونية “وين”!

محمود هلال:

كلمات أغنية (وين الملايين) التي ألهبت المشاعر القومية والوطنية عند الجماهير العربية على امتداد الساحات، تضامناً مع الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، إذ كانت تتساءل (وين الملايين، الشعب العربي وين، الدم العربي وين، النفط العربي وين.. وين؟) طبعاً أسئلة كثيرة ومتلاحقة مع إشارات استفهام متعددة لكن لا جواب!

ذكرتني كلمات تلك الاغنية اليوم بتطبيق (وين) للبطاقة الذكية التي أصدرتها (تكامل) وتستخدمها شركة محروقات سادكوب لتوزيع المازوت والغاز، كما جرى استخدامها لتوزيع المواد التموينية مثل السكر والرز والشاي ويمكن أن تستخدم لاحقاً لمواد أخرى.

جاءت التسمية (وين) لهذا التطبيق موفقة تماماً، وكأنها مدروسة بعناية، إذ أصبح المواطن يردد كلمة وين أكثر من مرة باليوم، وين الغاز، وين المازوت، وين الرز، وين الشاي، وين المؤسسة التي لا ازدحام عليها، وين.. وين.. ووين، حتى أصبح (يوّن) و(يأن) طوال اليوم منذ أن يستيقظ حتى ينام، ويعود ليكرر هذه السيمفونية في اليوم التالي.

قبل الحصول على اسطوانة الغاز عبر البطاقة الذكية كان المواطن يترنم على أصوات الاسطوانات الفارغة أمام محلات الغاز، وقبلها كان يترنم على قرقعة موزع الغاز أثناء دورانه في الحارات ومناداته على هذه المادة التي أصبحت اليوم هاجساً للكثيرين، الذين يترقبون وصول رسالة الغاز بفارغ الصبر، ليقيموا بعدها الأفراح والليالي الملاح، ويطلقون الزغاريد، لأن انقطاع هذه المادة يشكل مأساة حقيقية داخل الأسرة، وخاصة عند ربة المنزل التي أصبحت لا تعرف لا تعرف كيف تتدبر أمورها وتعد الطعام لأولادها وعائلتها، كذلك مع فترات التقنين الطويلة للكهرباء وانقطاعاتها المتكررة.

وهناك من وصلتهم رسالة الغاز ولم تكتمل فرحتهم، إذا تأتيهم الرسالة ويكون اسم المعتمد في مدينة ثانية وفي غير مكان إقامته، الأمر الذي سيكلفه أضعافاً مضاعفة أجور نقل ومواصلات مع رحلة بحث ومعاناة، عنوانها الرئيسي (وين يجدوا هذا المعتمد خلال 24 ساعة)؟!

وكذلك الأمر ينطبق على فقدان مادة المازوت، إذ الكميات التي حصلت عليها المواطنون غير كافية خاصة في الأرياف وفي المناطق الجبلية والباردة، ونجد الغالبية يحملون (بيدوناتهم) ويبحثون عن مادة المازوت عند تجارها في السوق السوداء، خاصة في هذه الأيام الجليدية ليكملوا لياليهم السوداء ويودعون شتاء هذا العام وبرده القارس وينتهوا من سؤال (وين) الذي أرق حياتهم ونغص عيشهم!

أخيراً يبقى السؤال وين الجهات الحكومية التي عليها تخفيف معاناة المواطنين الصابرين الصامدين في هذا لبلد، وتأمين جميع احتياجات من غاز ومازوت وخبز ونقل وكهرباء ومواد تموينية وغيرها وبأسعار رخيصة ومقبولة تقلل من همومهم وأوجاعهم؟ وكذلك وين الجهات الرقابية والمعنية القادرة على ضبط الأسواق ومنع الاحتكار وتخلص المواطنين من حيتان السوق وجشعهم؟!

 

العدد 1104 - 24/4/2024