فطرة بشرية

غزل حسين المصطفى:

وحدها الفطرة البشرية ما قادني لأجري خلف ذلك الصّبي المُتطفّل حتّى نلت منه واستطعت أن أستعيد شطائري التي سلبها مني عنوة، وضعتها جانباً ولم آكلها، بل كان ما يهمّني أنني استطعتُ استرجاع حقي ولم أقضِ بقية يومي وربما عمري في حسرةٍ مرّة على ذلك الموقف الذي قد يكسر شخصيتي وأنا ما زلتُ في السادسة من عمري.

كيف لا وستبدأ التنازلات مع أول موقف وتتكرّر حتى أصل إلى مكان لا حقّ لي فيه ولا هيبة. بعد كل جولة كنت أرى أنني انتصرت بحق، وجملتي الأشهر حينذاك كانت: (أنا مثل القطّة لا أخدش إلّا من أساء لي، تجنّبوني لأبقى الكائن اللطيف)!

أنهيتُ المرحلة الابتدائية ولم أترك لأحد المجال في التعدي عليّ أو على أخي الأصغر، لم يوجّهني أحد، ولم أبادر للعنف يوماً، وإن استطعتُ الوصول إلى حقي بالمعروف وصلت. وبعد أن انقضت تلك المرحلة وإلى الآن أرى أن تلك الحالة كانت الأصح، فقد دار الحديث مؤخّراً عن وسائل للتربية وطرق تعليم الطفل الليونة وامتلاك مهارات التفاوض حتى لا يتوّجه بالضرب لأقرانه، لكن السؤال الذي يدور في ذهني: هل قمع الفطرة هو صحيح أم أن نُشذّبها فقط ونوجّهها هو الأصح؟

بقي السؤال عالقاً يُرجّح بحسب المواقف والدراسات أو حتى آراء التربويين إلى أن سمعت مصادفة بعض الأطفال يبتزون طفلاً أعرفه ليحوزوا على ممتلكاته ويلعبوا بها أو حتى يضربوه، وكان التهديد أنهم سيخبرون والدته أنه فعل شيئاً، ما وهو لم يفعل، ولقد أخرسته العقوبة الشديدة عن حقه.

المُشكلة في الفكرة السابقة هو عدم وجود ثقافة الحوار بين الأم وطفلها، والطريقة غير الصحيحة في التربية أو المعاملة، إضافة إلى قمع فطرة ذلك الطفل في تغيير الحدث الذي قد تحوّل لكابوس في حياته، فهل نقول إنه بات ضحيّة التربية؟ أو إن أسلوب تعليمه وتربيته كان خطأ!؟ بصرف النظر عن السبب، نحن أمام مشكلة، وذلك الطفل تستصغره المواقف وتُثبت عدم قدرته على شيء إلاّ الانصياع للكل.

والكارثة الكبرى حين يحلُّ طيفٌ من التنمّر على هذه الحالات، حينئذٍ لن تكون مجرّد صباغ دامغ يستحلُّ الروح، بل ستتحوّل لجرحٍ أبدي نازف وحروق مُشوّهة، إمّا أن تجرّ صاحبها حيّاً نحو قبره أو تُسلّمه سيفاً من نار يبطش ويحرق من حوله ثأراً.

مهم جداً ألاّ نستخدم العنف في التربية أو أن نُعلّم أطفالنا على ذلك، لاسيما أن العنف آفة تتطور وتتبدّل بأشكالها، وقد تصل إلى أبشع الصور التي لم تخطر على البال سابقاً، وهنا علينا أن نراعي كيان الإنسان وحاجته ليُحقّق مكانة اجتماعية وصورة وجودية تناسبه.

العدد 1104 - 24/4/2024