المحبة والتسامح ترياق عنف الأطفال

إيمان أحمد ونوس:

لا شكّ أن للعنف الذي يسمُ مجتمعاتنا أسباباً تعود في جذورها إلى التسلّط والهيمنة التي تفرضها النُظم التربوية الأُسرية والمؤسسات الدينية والسياسية و… الخ. مثلما تفرضها ظروف وسياسات اقتصادية مُتعثّرة ومعيشية مُترديّة تُنعش الفقر والبطالة، أو ظروف طارئة كالحروب والنزاعات التي تحلُّ على المجتمعات، وهو ما لمسناه وعايشناه جميعاً خلال الحرب في سورية، التي أطلقت عنان العنف في أبشع صوره وتجلياته على مختلف المستويات والأصعدة لدى الجميع أفراداً وهيئات. غير أن الفئات الأكثر تأثّراً وتضرّراً كانت النساء والأطفال باعتبارهم الحلقة الأضعف من مختلف النواحي. وما يهمّنا هنا اليوم تحديداً هم الأطفال باعتبارهم مرآة لمربّيهم (آباء ومُدرّسين) وأيضاً باعتبارهم رجال المستقبل ونساءه، الذين سيبنونه وفق ثقافتهم وسلوكياتهم التي نشؤوا عليها. فالطفل الذي عايش حرب التهمت نيرانها بيته فشرّدته، أو شهد اغتصاب أخواته أو أمه، أو فقد أهله، فتاه بين الجموع يبحث عن ملاذ يحميه من كل تلك الشرور والفظائع، هذا الطفل لا بدّ أنه تجرّع الحقد مثلما تجرّع الخوف واليُتم والتشرّد والجوع، ويُصبح فيما بعد كائناً مُتمرّداً عنيفاً في تعامله مع كل من يعتقد أنه كان سبباً فيما وصل إليه، فلا يُميّز ما بين جلاد وضحيّة.

وهنا، لا يجوز أن نُغفل دور الأهل في استشراء هذا العنف وترسيخه في شخصية الطفل حين يقومون بتعنيفه بلا مبررات ناتج ما يُعانونه هم من أزمات نفسية ومعيشية ضاغطة، أو حين يدفعونه لتبني أساليب عنفيه كي يحمي نفسه في غيابهم سواء في المدرسة أو الشارع، مع رفاقه أو حتى مُدرّسيه ناتج الخوف الذي سيطر عليهم بسبب مُجمل تبعات الحرب. وتُعتبر المدرسة الفضاء الأرحب لاكتشاف مدى العنف المُنتشر بين الأطفال، سواء عن طريق أنماط اللعب الذي اتخذ في السنوات الماضية سمة عنفية واضحة من خلال تمثّل أطراف القتال الحقيقيين في الحرب، أو من خلال لعبة (عسكر وحرامية) فضلاً عن استخدامهم أساليب وأدوات عنفية خلال شجاراتهم، كما يتضح كمُّ العنف المُعشِش في نفوس بعضهم من خلال رسوماتهم التي اقتصرت في غالبيتها على ما شاهدوه على شاشات التلفزة أو عايشوه حقيقة في الواقع.

لقد أكّد المختصون في علم النفس والتربية أن أخطر آثار الحروب ستظهر بشكل ملموس في جيل كامل من الأطفال الذين سيكبر من ينجو منهم في ظلّ معاناة قاسية من مشاكل نفسية تُقدّر خطورتها بمدى اهتمام الحكومات، إضافة إلى مدى استيعاب الأهل ووعيهم لكيفية مساعدة الطفل على تجاوز ما مرّ به، من خلال إحاطته بالرعاية والحب بدل دفعه باتجاه تعزيز العنف وسيلة للدفاع عن نفسه أو إثبات وجوده.

العدد 1104 - 24/4/2024