ليكن النور في داخلنا أولاً!

إيناس ونوس: 

منذ وجد الإنسان على سطح الأرض حمل بداخله بذرة التَّجدّد والتَّجديد بعد كل كبوةٍ يتعرَّض لها، وهذه إحدى أهم الخصال الإنسانية التي دفعت بالبشرية للتَّطور والوصول إلى ما هي عليه اليوم، والشَّاهد الأكبر على ذلك هو تلك النَّهضات التي عاشتها غالبية دول العالم بعد الدَّمار الذي خلَّفته الحروب على مرّ العصور.

إلاّ أن هذا الأمر يحتاج إلى وعي للذات ومعنى وجودها ومدى أهميته. هذه الذات التي تأخذ منحيين، أحدهما شخصي والآخر جماعي، فذات المواطن هي نفسه وكل ما يتعلّق بحياته الشَّخصية، بينما الذاتُ الجمعية هي ما يرتبط بالمجتمع ككيان واحد. ولهذين المنحيين ارتباطٌ وثيقٌ فيما بينهما، ذلك بأن أحدهما لا بدّ أن يؤثّر بالضرورة على الآخر ويعكس نتائجه عليه.

فالفرد الذي يتعرَّض في حياته لمواقف متباينة ومختلفة ومتنوِّعة يمكن له أن يكسب منها خبرةً تراكميةً تفيده في تعديل نمطية تفكيره المستقبلية، وربما تغيير رؤاه ومساراته، شريطة امتلاكه الإيمان والوعي اللازمين لمساعدته على تخطي الصُّعوبات التي مرَّ أو سيمرُّ بها، فلا يدعها توقف مسيرته أو تُعرقل حياته، ممّا يجعله صاحب نظرة إيجابية تجاه الحياة وتقلباتها، وإنساناً متفائلاً قادراً على العطاء المُتجدِّد، ما يؤدي به بالضرورة لأن يكون مواطناً ذا فاعلية مجتمعية منتجة تعود بالنفع عليه وعلى المجتمع، فإن امتلك غالبية أفراد المجتمع طريقة التَّفكير هذه، تَحوّل إلى مجتمعٍ نشيطٍ مُتجدِّدٍ رافضٍ للنُّكوص والتَّقوقع والانكسار.

من جانبٍ آخر، فإن هذه النَّمطية من التَّفكير تحتاج إلى آليات تواصل حقيقية ملموسة ومتبادلة بين الفرد والمجتمع مُمَثّلاً بمؤسساته وحكوماته ومسؤوليه، أمّا وإن كانت العلاقة قائمة على حساب أحد الطرفين فقط فإنها لن تُعطي النتائج المرجوّة منها.

وإذا أردنا أن نعكس هذا الحال على الواقع السوري بعد الحرب التي عشناها بمختلف تجلياتها، فإننا نلاحظ أن الإنسان السوري (سواء من بقي في الداخل أو من هاجر) أثبت جدارةً وقدرةً على النُّهوض من تحت الرُّكام والدَّمار والموت مراراً وتكراراً. فمن خرج كأنه كسر قشرة البيضة ليرى النَّور في تلك البلدان ويحيا، والأمثلة كثيرة عن إنتاجية السوري هناك وإيجابيته، ومن بقي فإنه في كل لحظةٍ يُثبت صلابته وتشبّثه بالحياة وببقائه، رغم كل ما يتعرّض له من ممارساتٍ أو ضغوط من قبل الحكومة فيما يتعلق بالأمور المعيشية اليومية. وعلى هذا فقد بات لزاماً على الحكومات المتعاقبة الانتباه إلى أهمية بل وضرورة تبادلية العلاقة، وأن تتوقف عن مطالبة المواطن الدَّائمة دون أن تُفكِّر به وبمتطلباته ومسؤولياتها تجاهه. ومن هنا نجد أن شرط التَّبادلية في العلاقة لم يتحقَّق حتى اليوم ما يدفع وحتى هذه اللحظة الكثير للمغادرة والرَّحيل.

إذاً، فالنُّهوض يحتاج إلى قناعةٍ داخليةٍ أولاً وآخراً، وإلاّ فلن يكون، وسنبقى نعيش في دوامة الألم والإحباط والتقهقر، وهذا ما لا تحتاجه البلاد في هذه المرحلة الحسّاسة من تاريخها.

العدد 1104 - 24/4/2024