المزارعون ضحايا والزراعة ضحية والمنقذ في نوم عميق.. والخسائر تزداد

محمد علي شعبان:

ليس بمقدورنا تجاهل حالة القرف، والإحباط، التي تسود في العديد من أوساط المنتجين بشكل عام، المنتشرين على مساحة الوطن، الذين يعملون في قطاعات الإنتاج بشكل عام، والقطاعات الزراعية بشكل خاص. ذلك أن المنتجين يعيشون أزمات اقتصادية متنوعة. تتجلى بحاجتهم الأساسية لمادة المازوت، التي تعتبر المادة الأهم في استمرار الفلاحين بمزاولتهم مهامهم، وعدم رغبتهم بالدخول على باقي القطاعات خارج دائرة الإنتاج، كالقطاعات الخدمية التي تعتاش على فضائل قطاعات الإنتاج الزراعي.

سأهتم بالإضاءة على قضايا الزراعة فقط، وأترك باقي القطاعات لمقالات قادمة.

إن المعاناة التي يعانيها الفلاحون من إجراء عدم توفر مادة المازوت، وترك تجار الأزمات والمحتكرين يتحكمون بها يشكل أضراراً لا حصر لها، على جميع القطاعات الزراعية أهمها:

1- إقلاع الفلاحين الأكثر فقراً عن الزراعة، لعدم قدرتهم على تغطية تكاليف الزراعة الباهظة، فقد تضاعفت التكاليف المتعلقة بالآلات الزراعية كالجرارات، والحصادات حوالي أربعين ضعفاً، عما كانت عليه الأسعار  قبل اندلاع الازمة في سورية حين كان الفلاحون يدفعون أجرة حصاد الدونم الواحد قبل الأزمة مئتا  ليرة سورية وكان سعر لتر المازوت سبع ليرات سورية فقط. واليوم أصبحت أجرة حصاد الدونم الواحد ثمانية آلاف ليرة سورية وهي لا تتناسب مع ارتفاع سعر المازوت أو المواد الأخرى. فهي تشكل ظلما وإهانة   للفلاح المنتج، وكانت أجرة حراثة الدونم الواحد قبل الأزمة، من ستين ليرة سورية إلى تسعين ليرة حسب ضخامة الجرار وقوته. واليوم أصبحت أجرة حراثة الدونم الواحد من أربعة آلاف وخمسمئة ليرة سورية إلى خمسة آلاف وخمسة مئة ليرة سورية، أي ما يعادل خمسون ضعفاً. وأنتم تعرفون عدد الأضعاف التي ازداد بها سعر الأدوية الزراعية التي تجاوزت الستين ضعفاً. وألفت انتباهكم إلى أن أجور نقل المحصول من الحقل إلى مراكز جمع الحبوب قد تضاعفت حوالي ثلاثين ضعفاً أيضاً بما لا يتناسب مع أسعار المواد الأخرى. ومعظمكم يعرف أن سعر كيس السماد الواحد قد ازداد من مئتين وخمسين ليرة سورية قبل الأزمة، إلى عشرة آلاف وخمسمئة ليرة الآن، أي ما يعادل اثنين وأربعين ضعفاً. إذا توفر في المصارف الزراعية. ومعظم الأحيان يضطر المزارعون لشرائه من السوق السوداء، وقد يصل سعره إلى أربعة عشر ألف ليرة سورية.

قد يقول أحدكم إن أسعار القمح قد تحسنت، وهذا صحيح لقد تحسن سعر كيلو القمح الواحد من أربع وعشرين ليرة سورية إلى مئة وخمس وثمانين ليرة سورية دون تجريم أو حسم، يعني لن يحصل على هذه القيمة، إلا من يضع على رأسه ريشة خاصة، وعامة الفلاحون يحصلون على أسعار تتراوح بين المئة والخمسين والمئة والثمانين ليرة. إن زيادة سبعة أضعاف سعر القمح الذي يعتبر العصب الأساسي، في الاقتصاد الزراعي بعد إقلاع الفلاحين عن زراعة القطن، للأسباب التي ذكرتها سابقاً وأسباب أخرى قد أذكرها لاحقاً تجعل الزيادة غير متناسبة إطلاقاً مع ازدياد أسعار تكلفة الزراعة وازدياد أسعار باقي المواد التي يحتاجها الفلاحون والعمال الزراعيون للعيش بكرامة.

2- إن معظم الزراعات الصيفية المتمثلة (بالقطن – فستق العبيد -الشوندر السكري -الذرة بأنواعها المختلفة – عباد الشمس – فول الصويا ) جميع هذه المحاصيل تحتاج إلى كميات كبيرة من المازوت للسقاية بواسطة الآبار الارتوازية، مما جعل الفلاحين يُقلعون عن زراعتها وهي كانت تقدم إنتاجاً هائلاً يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني بشكل عام وعلى القطاع الزراعي الذي يعيش أزمة لا يحسد عليها  بشكل خاص .

3- إن إهمال وتهميش القطاع الزراعي بما فيه من فلاحين ومزارعين بهذا الشكل ينبئ بكارثة حقيقية يجب التنبه لها ومعالجتها، قبل فوات الأوان. ولاشك أن بقاء معظم الفلاحين طيلة فصل الصيف والخريف دون عمل ودون إنتاج تحت رحمة الأمطار والزراعات الشتوية فقط، بسبب عدم توفر مادة المازوت والإقلاع عن الزراعات الصيفية التي ذكرتها تجعل الفلاحين وأبناءهم يبحثون عن مصادر أخرى للعيش ويهملون العمل في قطاعات والإنتاج الزراعي الذي يشكل العصب الاقتصادي للدولة والرئيسي بالنسبة لهم. بيد أن مغادرة الفلاحين لقطاعات إنتاجهم الفعلية والالتحاق بقطاعات أخرى خدمية يجعل عمال القطاعات الأخرى في خطر المنافسة التي قد تخرجهم خارج العمل بسب التضاربات التي قد تحصل، فيصبح المستفيد الوحيد هو رب العمل في القطاعات الرأسمالية الخاصة، والخاسر الأكبر هو العامل الزراعي.

الخطر الثاني يحمل معه حتمية إفلاس الفلاحين واضطرارهم لبيع أراضيهم أو جزءاً منها للرأسماليين بأشكالهم المختلفة، ليحكموا قبضتهم على الإنتاج الزراعي من جهة، وعلى المزارعين الفقراء من جهة ثانية ويعيدوا ترتيب أوراق الإنتاج وفق مصالحهم الاحتكارية والتجويعية لجميع فئات المجتمع.

والسؤال برسم الجميع: من يستطيع إنقاذ الفلاحين من الكارثة التي تنتظرهم؟!

إن اهمال الفلاحين المنتجين وتركهم يواجهون مصيرهم، بالعلاقة مع تجار الأزمات بالأشياء الضرورية، وحصولهم على مادة المازوت والأسمدة، والبذار من تجار الازمات والمرابين، يجعل الزراعة في مهب الريح، ويجبر جزءاً من الفلاحين على بيع أراضيهم، لعدم قدرتهم على تمويلها، إلا من خلال المرابين الذين يأخذون ثلث الأرباح لقاء فترة التمويل.

والسؤال الأهم: من المستفيد من تجويع الفلاح الذي يقدم الطعام للشعب السوري كله؟! ومن المستفيد من تجميع ملكيات الفلاحين بيد حفنة قليلة من الرأسماليين، الذين يتحكمون بمعظم مفاصل الإنتاج ويطبقون سياسات التجويع والاحتكار على عامة الشعب السوري مقنّعين بإشكال عديدة، وإمكانيات مختلفة عن إمكانياتهم في السابق، قبل الثورة الصناعية حين كان الإقطاعيون والبرجوازيون بحاجة ماسة للفلاح واليد العاملة. أما اليوم فيستطيع هؤلاء الاستغناء الكامل عن اليد العاملة بفضل وجود الآلات الزراعية المتطورة، ويجعلون الآلاف من العمال بدون عمل نظراً لعدم الحاجة لهم.

أخيراً، إن الظروف الحالية القاسية التي تمر على الشعب السوري عامة، وعلى المنتجين بشكل خاص، تستدعي من المعنيين بالأمر إعادة الاهتمام بالقطاع الزراعي، وتقديم كل التسهيلات للفلاحين، لإعادة الدورة الزراعية الطبيعية كما كانت عليه في السنوات السابقة، حين كان القمح السوري لا يكفي حاجة الوطن السوري وحسب، إنما كان يصدّر لعدة أقطار عربية وبأسعار ممتازة، نظراً لجودته وتزايد الطلب عليه. إن التضييق على الفلاحين جعلهم يتخلون عن زراعة القطن الذي كان يعرف (بالذهب الأبيض) حين كان القطن السوري من أفضل الأقطان عالمياً، ومصانع الغزل والنسيج الموجودة في سورية، كانت تضاهي الأسواق العالمية في خيوطها ومنسوجاتها حين كان الخيط السوري هو الأفضل عالمياً بين الخيوط بالأسواق الصناعية. فهل يعقل أن يترك القطاع الزراعي، والفلاحين، ضحايا لتجار الأزمات، كما هو الآن، أو يتوجب على المعنيين في الدولة مسؤوليات أخرى تعيد لهذا القطاع ألقه، لينتعش في بلادنا ثانية وينعم بالخير الوفير وتعود الصناعة الزراعية للعمل بوتيرة جيدة، مستفيدة من التقنيات الحديثة بتطوير إنتاجها، كي نعيش عمالاً وفلاحين بكرامة، ونستغني عن حصة المعونة التي تُشعر المواطن الحر بالإذلال، عندما يكون مجبراً على طلبها، وانتظار الدور للحصول عليها؟!

العدد 1104 - 24/4/2024