قريباً سنغدو ضحية ضحايا تقصيرنا
سامر منصور:
إن اهتمام دولة ما بالطفل يعني اهتمامها بمستقبلها. لكننا نجد دولاً عربية عدّة من تلك التي عاشت أحداثاً دموية فيما سُمّي بالربيع العربي وقد أصبح لديها شعبان، شعبٌ يعيش معظمه في بيوت من الأسمنت والخوف والفقر، وشعبٌ آخر هو شعب الرصيف، الذي يتكوّن أكثر من نصفه من الأطفال. إن الطفولة في اليمن وسورية وغيرها من الدول مرميّة على قارعة الطرقات كأي شيء بلا قيمة، ولم أشاهد ولم ألمس أيّ اهتمام رسمي يُميّز الأطفال المُشردين عن سواهم من الفئات الأكبر سناً، فمعظم جمعيات المجتمع المدني الخيرية تُحسن إلى العائلات عموماً. إن طفلاً تربّى في الشارع على التسوّل أو حافياً رثّ الثياب مُتّسخاً لا يملك سوى عينٍ دامعة وحنجرة نائحة يستجدي بها لقمة عيشه، هو قنبلة موقوتة في صراع طبقي مُقبل لا محالة، أو هو مشروع مرتزقٍ لمن ينقله من واقعه البائس إلى ما هو أفضل. وأيّ كارثة أخلاقية وأمنية ستحيق بنا بوجود كل هؤلاء الذين لاشيء يمنعهم من التحوّل إلى مجرمين ومرتزقة في المستقبل؟!
وأكثر شيء صادم في هذا الواقع الأليم والفظيع هو كثرة المواليد الجدد للمُهجّرين الذين يعيشون في الحدائق وعلى الأرصفة حيث نشاهد كل حين امرأة تحمل رضيعاً حديث الولادة رغم كل هذا القهر!!
إن الدول العربية أظهرت قدرات جبّارة وإبداعاً في افتتاح المعتقلات والسجون وتحويل ملاعب كرة القدم وغيرها وحتى المدارس المهجورة إلى معتقلات تؤوي مُعارضيها، بينما نجد تجمّعات لأعداد من شعب الرصيف مازالت على حالها منذ سنوات!! والكارثة أن الكثير من الناس ينظرون إلى شعب الرصيف وكأنهم حانة للإرهاب تمّ تفكيكها.. فقد قرأتُ منشوراً في صفحة إعلامية من نجوم الإعلام الرسمي في إحدى الدول يُظهر عائلة من امرأة مُحجّبة وأطفال يبحثون في حاوية قمامة عن طعام، وقد نشرت الصورة مع التعليق التالي: من الجيد أننا نترك شيئاً من بقايا الطعام ونرميه في القمامة.
نحن أمام شريحة كبيرة من الأطفال نشأت دون أيّ حاضنة أو مرجعية تربوية، أي أننا في المستقبل أمام رجال ولاؤهم لمن يعطيهم ثمن الرغيف وما حُرِموا منه. وهذا كارثة في دولة مثل سورية مثلاً التي لا يُتوَقع انتهاء التآمر الغربي عليها في القريب العاجل، إضافة إلى كونها بلداً يغصُّ بالفاسدين والحثالة التي أصبحت تشكّل نسبة كبيرة من القوى الرأسمالية السورية عبر التعفيش وخطف أبناء التجّار والابتزاز والسمسرة في دور القضاء وخلق الأزمات وإقامة الأسواق السوداء… الخ. إننا أمام حُثالة ثرية مُتنفّذة وأطفال بلا تربية وقيم.. إننا أمام شيكاغو عربية مرعبة.. ولا جهود لائقة تُبذل لإجهاضها لا أفقياً ولا تصاعدياً!