الثأر.. سرطان المجتمعات النامية المـزمن

وعد حسون نصر:

نعم، الثأر نار تحت الرماد لنسمة هواء تشتعل من جديد، كارثة لم تتوقف منذ بدء الخليقة، ولعلّها أخطر كارثة تهدد مستقبل الأجيال، لأنها تحوّل حياة الإنسان إلى جحيم متواصل، وذلك بسبب ما يسببه لغيره من محن، وبالتالي يهدم كل بناء إنساني بتوارث مفهوم خاطئ. إنه سدٌّ منيع بوجه التنمية لأنه تمسك بعقيدة خنقتها رائحة البارود ومزّقت سكون ليلها بصوت رصاص خلد في الرأس وعاث به فساداً مثل الشيطان.

فالثأر وليد أسباب قد تكون شخصية أو جماعية، ومن هنا لا يوجد سبب معين يمكن ربطه بحوادث الثأر، لكن في الأغلب هو نزاع بين عائلات لأسباب شخصية، ربما يكون زواجاً أو أرضاً زراعية أو خلافة ووجاهة، أو خلافاً أدى لإطلاق نار خاطئ أودى بحياة شخص من إحدى العائلات. ولعلّ الثأر في الحرب السورية أخذ مفهوماً آخر للمعنى الحقيقي له، فهو لم يقتصر على القتل لمجرّد ردّ الاعتبار وإطفاء نار الغلِّ في الصدور واسترداد الحق، إنما بات أعمق بكثير وأفظع سمّيّة، لقد بات قضية مجتمع، بات مع وضد، فاستشرى التخوين، وإلقاء تهم، وحسابات قديمة يرغب أصحابها بتصفيتها، كما أنه لم يقتصر على إزهاق الروح برصاصة لتزغرد النساء بعودة الحق والتلويح بالقميص المصبوغ بالدم من منظورهم الاجتماعي الخاطئ، بل أضحى حرق ممتلكات عامة وخاصة، خطف أفراد من العائلة وتعذيبهم مقابل مبلغ من المال، تجارة أعضاء، هتك أعراض، فضح المستور، فقط لمجرد الاختلاف بوجهات النظر، كل هذا وأكثر خاضه المجتمع السوري بمستنقع الثأر، وعندما واكبنا بعقول مفتوحة الحضارة عدنا للجحيم بسير أقدام ذات العقول التي كنّا نظن أنها تقودنا للحضارة، فما علينا الآن إلاّ أن نُكثّف التجديف بسواعد حرة وواعية لنخرج من هذا المستنقع القذر، وذلك بتوعية الجيل الجديد من قبل لجان ومنظمات المجتمع المدني، أيضاً النشاط التربوي في المدارس، كذلك من خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، ولا ننسى مراكز البحوث الاجتماعية والجنائية والأحداث في السجون، ولا يغيب عن بالنا تثقيف الأهل قبل الأبناء عن خطورة الثأر، وجعل المجتمع مفتوحاً على الحضارات الأخرى من خلال تنشيط الأماكن الآمنة بحركة ثقافية جديدة تُمكّن الناس من التواصل معاً، بالأدب والفن والندوات الثقافية والعلمية، كذلك ببرامج توعية للكبار ونشاطات اجتماعية تعطي حياتهم طابع حيوي جديد يجعلهم يركزون على حب الحياة أكثر من الموت، وبالتالي هم أنفسهم سيرفضون السلاح والرصاص ويتخلصون من الأسباب القذرة التي جعلتهم يمضون وراء مقولة (العين بالعين والسن بالسن)، وهنا لا يبقى الثأر شرخاً في جدار الوطن، ونستطيع بناء جيل معافى بكنف أهل أصحاء بعيدين جميعاً عن أمراض التخلف ووسوسات الحقد.

العدد 1104 - 24/4/2024