ذكرى 29 أيار… وتضحية حامية البرلمان

في 29 أيار تحل الذكرى الـ 74 لقصف المستعمرين الفرنسيين الوحشي مدينة دمشق، دون تمييز بين مدني وعسكري، فدمرت أحياء كاملة واستُشهد العشرات، بل المئات من المواطنين، إلا أن حقدهم الشديد تركز على البرلمان السوري آنذاك الذي كان يمثل السلطة التشريعية في البلاد، ورمز سيادة الدولة، والذي كان يبشر أن ليل الاستعمار في طريقه إلى الزوال وأن فجراً جديداً ينتظر سورية الفتية.

في معركة البرلمان هذه، برزت حاميته الباسلة، التي كانت تحت إشراف الوكيل الضابط طيّب شربك، والتي رفضت أن تؤدي التحية للعلم الفرنسي، وقررت الدفاع عنه حتى آخر رمق، معبّرة بذلك عن إصرار السوريين على الدفاع عن وطنهم ونيل الاستلال وطرد المستعمرين، دون أن يبخلوا بالتضحيات. استُشهدت الحامية البرلمانية بأسرها، باستثناء عضوين منها أصيبا بجراح دامية، وكان لطيب شربك دور كبير في حفز مقاومة الحامية واستبسالها حتى النهاية.

فمن هو إذاً هذا الرجل الوطني، الذي قرر التضحية بالحياة دون أن يستسلم هو ورفاقه للطغاة المستعمرين؟!

إنه ابن مدينة حمص، من أسرة شعبية، ولد عام 1925 في حي عمالي كانت تتركز فيه آنذاك تجمعات الطبقة النامية والفتية آنذاك ونشأ وترعرع فيه، في ظروف تصاعد النضال الوطني في البلاد من أجل الاستقلال، الأمر الذي عزز لديه الانتماء الوطني والاهتمام العمالي وليدَيْ هذا الوسط الشعبي الوطني.

ينال الشباب طيب شربك شهادة البكالوريا الأولى والثانية حسب النظام التعليمي الذي كانت سائداً آنذاك، وينتسب إلى دار المعلمين عام ،1943 وفي هذه الفترة بالذات ينتسب إلى الحزب الشيوعي السوري، ويتحول إلى أحد نشطائه في صفوف الطلاب والعمال، والحرفيين، وكانت المهمة المركزية المطروحة أمام القوى التقدمية في البلاد آنذاك تتمركز على النضال ضد الفاشية والنازية، وضد الفكر الرجعي، ومن أجل الاستقلال السياسي والاقتصادي الناجز للبلاد. وعندما أنشئت مدرسة وطنية للشرطة، تقوم بتخريج الملاكات الوطنية المؤهلة وتدريبها للقيام بواجبها الوطني، انتسب إليها، وتخرج فيها برتبة وكيل ضابط، وكُلِّف بالإشراف على حراسة البرلمان الذي كان يعتبر آنذاك رمزاً لسورية المستقبل.

وهكذا، في يوم 29 أيار ،1945 سقط هذا الابن البار للشعب السوري هو ورفاقه أمام جدران هذا البناء مدافعاً حتى النهاية عن الكرامة الوطنية السورية وعن طموح الشعب السوري إلى الاستقلال والحرية.

إن الشعب السوري لن ينسى أبداً وحشية المستعمرين الفرنسيين وهمجيتهم، ولن يسمح لهم مستقبلاً أن يعودوا إلى سورية مهما تستروا وعن أي طريق سواء بدعم الإرهاب أو بالتحالف مع قوى العدوان الأخرى، كما أن الشعب السوري لن ينسى أبطاله الوطنيين الذين ضحوا بحياتهم من أجل وطن حر، ولن ينسى أبداً حامية البرلمان المجيدة التي كان يقودها طيب شربك، والتي جبلت دماؤها بتراب هذا الوطن الذي سيبقى من خلال تضحياتهم مضيئاً إلى الأبد.

العدد 1104 - 24/4/2024