(جودة الحياة) للبعض فقط!

(النور) :

لم يتمكن المواطن السوري من الحفاظ على حصته من الخدمات طيلة الفترة الماضية، ففي زمن الحروب يصبح مجرد العيش والاستمرار (رفاهية).

(جودة الحياة) هو مصطلح غائب في زمن الحرب، خاصة بعد انخفاض مستوى السلامة العامة للمجتمع. ولقد حل مكانه مصطلح آخر هو (الاستمرار)، فلا أهم من استمرار الفرد في العيش مهما صعبت طرائق البقاء وأساليبه.

وتعرف جودة الحياة بأنها كل ما يتمتع به الفرد من مسكن وملبس ومشرب، وبشكل عام يوجد تصنيف للدول الأكثر رفاهية والأكثر بؤساً، ونتيجة لوجود معايير لسوء الحياة ولرفاهيتها، ولد مفهوم جديد يسمى (جودة الحياة).

وإذا سحبنا هذه المعايير على الدول العربية مثلاً، نجد أن أسوأها هي اليمن والعراق والصومال، وتأتي سورية في المرتبة السابعة من أصل 10، أي أن ترتيب سورية الآن هو 7 من أسوأ 10 دول.

هناك رأي عام ساد لدى مختلف الحكومات المتعاقبة، وهو أنه في مرحلة الحرب عادة تتراجع الأولويات في الحياة، وتصبح محاربة العدو والإرهاب والحفاظ على الوجود، هو الأهم، وبعد ذلك تأتي مسائل أخرى لها علاقة بمستلزمات الحياة، وحتى ولو كان تصنيفها يدخل في إطار البيولوجيا المتعلقة بالطعام واللباس والمنزل وغيرها.

وبسبب ما أفرزته الحرب من مهجرين ونازحين ودمار، أصبح البحث عن المعايير المتعلقة بتصنيف الأمم المتحدة وبتقارير التنمية البشرية نوعاً من المبالغة والترف، لأن الحفاظ على الحياة أصبح في المرتبة الأولى. ولقد كان يمكن عبر سياسات أكثر عقلانية وأكثر حكمة تعتمد على قراءات دقيقة لمعطيات الواقع، بشكل يتم فيه إعادة توزيع الموارد والخيرات والإمكانات بعقلانية اقتصادية أكثر تدبيراً، أن يتم تجاوز مشكلة قطاع الخدمات أو تدني مستوياتها إلى حد مقبول.

إلا أن غياب ذلك واختلال توزيع الثروات بين أفراد المجتمع أدّيا إلى أنه بإمكان عدد من المواطنين اليوم الحصول على خدمات أكثر جودة من غيرهم، ما يعطيهم امتيازات حياتية أفضل فقط، لأنهم أغنياء ويملكون المال، أدى كل ذلك إلى اختلال في الحياة بشكل عام وجودتها بشكل خاص لصالح الفئة الأقوى والأكثر مالاً.

إن دخل المواطن السوري اليوم يكاد يكون من الشريحة الأسوأ في العالم، وقد وصلنا إلى حالة مزرية جداً. إن نسبة الفقر أصبحت كارثية والفئة الوسطى القادرة على التطوير في المجتمع ضعفت جداً، وأصبح جميع العاملين لدى مؤسسات الدولة ضمن تصنيف الفقراء مهما كانت رواتبهم مرتفعة، وذلك بحكم الانخفاض الهائل في القوة الشرائية للعملة المحلية.

أصبح نقص الخدمات نتيجة الأزمة والسياسات المتعثرة للحكومات المتعاقبة واضحاً في كل مناطق سورية، هناك تقصير واضح، وفجوة واضحة بين ما تعلنه الحكومة لإرضاء المواطنين والقائمين على التنفيذ، ورغم أن الأزمة هي إحدى مسببات هذه الحالة، لكن الأمور زادت عن حدها، وإن تمسك البعض بفكرة وجود أزمات والتستر خلفها أدى إلى زيادة الترهل والبعد الكبير عن الوصول إلى الحد الأدنى من رضا المواطن، فيما يتعلق بجودة الخدمات. إضافة إلى أن هذا التقصير تزامن مع غياب المحاسبة والفساد المستشري وغياب الدولة وغيرها.

وفي هذا السياق تؤكد أكثرية وازنة من الاقتصاديين أهمية الدور التدخلي الذي يمكن أن تلعبه الدولة في وضع كهذا. إذ لا حلول إلا أن تعود الدولة قوية وتأخذ دورها التنموي والتدخلي، لأن كل انسحاب للدولة أثناء الحرب أو بعدها من الوظيفة الاقتصادية أو الاجتماعية لضبط التوازنات واختلالات الحياة والأسواق سيؤدي بالاقتصاد والمجتمع إلى الوصول إلى ما يسمى الدولة الفاشلة. إن كل المجتمعات التي انهارت فيها الدولة عندما تخلت عن وظيفتها الاجتماعية والاقتصادية، انهارت كذلك.

العدد 1104 - 24/4/2024