عمل المرأة… بين الرَّغبة والحاجة

إيناس ونوس: 

تبدّلت نظرة المجتمع إلى ضرورة عمل الفتيات والنِّساء كثيراً عمّا كان سابقاً، لما لهذا العمل من فوائد تجنيها الأسرة كاملةً، سواء أكانت الفتاة في عائلتها أو في بيت الزوجية. واليوم بات عمل المرأة أحد أهم الشروط التي يُفكّر بها الشّاب حين يرغب بالاقتران والارتباط، لإدراكه العميق والتَّام أنه منفرداً غير قادرٍ على تحمُّل أعباء ومسؤوليات الأسرة كاملةً.

ونجد الفتيات ساعياتٍ إلى العمل بشكلٍ كبيرٍ ليحقّقن استقلالهن الاقتصادي، الذي ينعكس حُكماً على نمطية حياتهن ومعيشتهن وقراراتهن، لاسيما وأنهنّ بتن يلجن سوق العمل في وقتٍ مبكِّر سواء خلال سني تعليمهن أم إن لم يكملن تحصيلهن العلمي، إلاّ أن غالبيتهن يتمنّين أن يتركن العمل حينما يتزوجن، كي يعشن حياةً مريحةً بعيدةً عن الإرهاق والتعب والسَّعي، وبهذا فإن الرغبة في العمل عند غالبية الفتيات هي رغبة مؤقتة ومحصورة بفترة ما قبل الزَّواج، وبالتالي لا علاقة لهذه الرغبة بقيم العمل العديدة وبآثاره على الشَّخصية واستقلاليتها وتطوُّرها ومفهوم تحقيق الذَّات، نظراً لطلب معظمهن الضِّمني أو العلني، فيما بعد الزَّواج، ترك العمل والتَّفرُّغ الكلي لبيوتهن وأُسرهن. وإن حصل، وغالباً ما يحصل، أن استمرت الواحدة منهنّ بعملها لاحقاً، فإنه من باب الواجب وضرورة مساعدة الشَّريك على توفير ما تحتاجه العائلة والأولاد.

إن نظرة الفتيات والنساء إلى العمل هي نظرة مادية فقط ليس غير، ولا قيمة أخرى للعمل يمكن لها أن تتبادر إلى ذهن الفتاة/ المرأة العاملة، خصوصاً بعد أن تكبر العائلة وتزداد متطلبات الأولاد. يُضاف إلى ذلك أن الوارد المادي للعمل يُشكّل للمرأة بعض الحماية من غدر الزَّوج أو الأيام، وكثيراً ما بتنا نسمع هذا الكلام مؤخراً، فإن أصابها الضَّيم، سواء بالطَّلاق أو بوفاة شريكها، فراتبها معها ولن تحتاج إلى الآخرين.

إن منظور الفتيات والنِّساء للعمل كحاجة مادية فقط، أفرغ العمل من كثير من معانيه العميقة والأساسية التي لها الأثر الكبير في تبلور الشَّخصية وتنامي وعيها، إلاّ أن الأحوال المادية التي تعيشها كل الأسر السُّورية والتي تحتاج إلى عدَّة رواتب لسداد المتطلبات الأساسية، التي تفرض على الإنسان أن يعيش بما لا يتوافق في كثيرٍ من الأحيان مع معتقداته أو رؤاه الخاصة، هي السَّبب الجوهري لهذا النَّمط من التَّفكير. ولهذا لا يمكن لنا أن نلقي المزيد من اللوم عليها ونحمِّلها ما هو فوق طاقتها أو رغبتها، فمتابعة يوم واحد من أيام المرأة العاملة، ولاسيما الأم العاملة، كفيل بإعادة النَّظر فيما يدفع غالبية الفتيات للتَّفكير في التَّخلي عن العمل بعد الزَّواج وسعيهنّ إلى عريسٍ يمتلك المقدرة على تحقيق هذا الطَّلب أو هذه الأمنية.

ففي بلادنا، وفي ظلّ الأوضاع الاقتصادية المتردِّية يوماً بعد يوم، لم يعد للعمل أي معنى سوى المعنى المادي وما ينتج عنه، لأنه بات مفروضاً على الإنسان رجلاً أو امرأة ـ أن يعمل، ولا خيار آخر له، وحتى لا خيار له في العمل بحدِّ ذاته، فكم هم كثر من يعملون بمجالاتٍ لا علاقة تربطهم بها سوى العلاقة المادية!؟ وعلى هذا لا يمكن للعمل أن يحقق معانيه الأخرى أو يقاربها على أبسط تقدير، وليس بمقدورنا لوم الفتيات على تفكيرهن!

العدد 1105 - 01/5/2024