عمل المرأة.. قوة الحاجة والضرورة

حسين خليفة: 

نتحدث هنا عن المرأة التي تبحث عن شروط إنسانية تتساوى فيها مع الرجل ولو في القهر الإنساني، فالرجل المقهور في المجتمعات الطبقية، الرجل الذي تتناهشه السلطات الاستبدادية المتعددة من سلطة رأس المال إلى سلطة الدين إلى سلطة المجتمع، وكلها لا ترحم، يمارس استبداده على من يستطيع إلى ذلك سبيلاً عليهم وعليهن، كنوع من التعويض النفسي أحياناً، ومتعة تسلّط منحه إياها المجتمع والدين ثانياً، وأول من يمارس استبداده عليه هي المرأة، الزوجة والحبيبة والأخت والقريبة أيضاً.

في عمله يعاني الرجل غالباً من قمع رب العمل واستغلاله له، لكن المرأة في هذه البلاد تبحث عن عمل يستغلها فيه رب عمل باستغلال أبشع وأوسع من استغلاله للرجل، فمعاناة الرجل تنحصر غالباً في الاستغلال المادي وما يستتبعه من استلاب روحي ونفسي، لكن في حالة المرأة العاملة يُضاف إليها الاستغلال الجسدي الذي لا ينحصر في الاستغلال الجنسي المباشر بل بـ(استثمار) جسدها وأنوثتها لأغراض تجارية وإعلانية وتسليعها جسداً وروحاً.

مع كل ما قُدِّم تبحث النساء بحثاً حثيثاً ومضنياً عن أي عمل يسند الميزانيات الضئيلة للأسر السورية، مطبّقين المثل الشعبي (رضينا بالبين والبين ما رضي فينا)، لكن كيف ينظر الآخرون رجالاً ونساء (من غير العاملات) إلى عمل المرأة؟

الأمر يحمل تأثيرات تاريخية متوارثة يلعب العامل الديني فيها الدور الأهم، وتُلخّص نظرة الدين (الإسلامي طبعاً) إلى قضية عمل المرأة بالآية القرآنية (الرجال قوّامون على النساء)، وفكرة القوامة على اختلاف تفسيراتها تذهب في النهاية إلى حرمان المرأة من حقها في العمل، فالعمل ليس فقط نشاطاً انسانياً من أجل تلبية متطلبات العيش، بل هو حق من حقوق الإنسان.

سواء لدى من يفسر القوامة بمعنى القيادة والإدارة والإنفاق من قبل الرجل على المرأة، أو بمعنى القيام بتلبية شؤونها ومطالبها، كما يفسرها بعض من يحاول عصرنة الإسلام وتقريبه إلى المفاهيم السائدة حالياً بخصوص وضع النساء خصوصاً، وهو ما ينحو إليه عدد من المفسرين الجدد للنص القرآني.

لذلك نرى الفكرة السائدة لدى أوساط واسعة، بما فيها بعض الأوساط غير المحافظة لكنها تحمل في جيناتها أفكار السلف الصالح عن عمل المرأة وحقوقها، نراها تتمحور حول أن عمل المرأة غير ضروري وترف لا طائل منه، وأن الرجل مُلزم بتأمين احتياجاتها واحتياجات العائلة.

لكن مهلاً، هل الحروب والمجاعات والأزمات الاقتصادية المتلاحقة وازدياد تكاليف المعيشة ومتطلباتها عاجزة عن كسر هذه البديهيات المتوارثة بقوة الحاجة، أو بقوة الاقتصاد بالمفهوم العام، وهو القوة القائدة في التاريخ والمُحرّكة له؟!

من المؤكد أن كل هذا يفرض قوانينه ببطء، لكن بقوّة، والمرأة أصبحت حتى في المجتمعات المحافظة تخرج للعمل، لا قناعة من رجلها بأن ذلك حق مشروع لها، بل لأنه لم يعد هناك مجال للاستمرار دون أن تشارك هي في حمل أعباء الحياة مع الرجل.

هي ظاهرة واقعية ومفروضة بقوة الواقع، لكنها بمرور الوقت ستصبح آجلاً أو عاجلاً قيمة اجتماعية جديدة تُزيح القيم المتوارثة القديمة، وتصبح كما في المجتمعات الغربية أمراً طبيعياً وضرورياً أيضاً.

إنه منطق التطور والحياة.

العدد 1104 - 24/4/2024