من غير كلام!

محمود هلال:

هناك لعبة للتسلية يسمّونها (من غير كلام)، ومبدأ اللعبة هو أن يقوم أحد الحاضرين بتقديم حركات وإيحاءات وإشارات ورموز، وعلى المشاركين في اللعبة أن يحزروا ماذا يقصد بهذه الحركات. وفي حال استنفد الوقت المخصص له، تفرض عقوبات عليه، وعلى الفريق الذي يمثله، يقررها الفريق الخصم.

هذه اللعبة هي أشبه بنشرات الأخبار التي تقدَّم للصم والبكم على التلفزيون، إذ تقدَّم بالطريقة نفسها عبر الإشارات والرموز، لكن الطريف في الأمر أن الصم والبكم يفهمون على المذيع الذي يقدم النشرة وتظهر صورته في زاوية الشاشة، ونحن أحياناً لا نفهم على المذيع الرئيسي، لقساوة المشهد أو لغرابة الأرقام.

قد يكون هناك تشابهٌ إلى حدٍّ ما بين نشرات الأخبار تلك المعدّة للصمّ والبكم وتصريحات المسؤولين عندنا أحياناً، عندما يتعلق الأمر بالشأن الاقتصادي والاجتماعي، وما يتعلق بمستوى المعيشة ودخل الفرد والنمو الاقتصادي والأرقام التي يطلقونها حول الفقر والبطالة والدعم الحكومي وغيرها من القضايا الهامة والحساسة.

ولو دققنا في الأرقام وأردنا مطابقتها على الواقع، لوجدنا اختلالاً كبيراً ولا ينطبق (حساب السرايا على حساب أقل القرايا)، وتختلف حسابات الحقل عن حسابات البيدر.. فالمواطن أصبح لا يلحظ أيّ تحسن في مستوى معيشته أو في دخله إلا إذا كان المطلوب استخدام جهاز يعمل بالأمواج فوق الحسية، ولكنه يمكن ببساطة أن يشعر بضعف راتبه، وتآكل قوته الشرائية، وانعدامها أمام وحش الغلاء المستفحل، وذلك دون أي استخدام أي وسائط مساعدة عادية أو تكنولوجية.

لا شك أن 8 سنوات من الحرب أنهكت السوريين، وهناك صعوبات جمة يواجهونها لتأمين احتياجاتهم الأساسية، وقد دلت مؤشرات ومعدلات النمو الاقتصادي والبطالة في سورية، وفق بيانات المكتب المركزي السوري للإحصاء لعام ،2018 على انخفاض كبير في معدل النمو، إذ تراجع المعدل من 5% إلى نحو 98,3% وهو سالب حالياً، وكذلك معدل البطالة الذي كان قبل الحرب 8,14% ارتفع ليصل إلى نحو 50%، وهناك قضايا مازالت خلافية حول عدد الذين نزحوا، والذين عادوا إلى سورية، والذين يحتاجون إلى مساعدات غذائية وطبية.

وهناك اختلاف حول الفقر ونسبته، وكم عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر وعدد الذين يعيشون فوقه! وهناك من يقول ليس عندنا فقر، بل عندنا فئات أقل دخلاً، فإذا كانت الشريحة العظمى من العاملين بأجر لا يتجاوز متوسط رواتبها 35 ألف ليرة سورية، وموظف هذه الأيام لا يستطيع إعالة أسرة من 4 أشخاص، هذا مع استمرار التصريحات بتأكيد استمرار الدعم الحكومي للمواد الأساسية وغيرها (عالطالع والنازل)، فما هو حال العباد الذين لا دخل ثابتاً لديهم؟!

والسؤال: ما هي الأرقام التي ستعطى في حال ألغت الحكومة الدعم وأبقت الرواتب والأجور على حالها، أو رفعتها بنسبة قليلة لا تناسب الغلاء الفاحش؟ هل تكون الأرقام والتصريحات حينئذ مثل نشرات الأخبار للصم والبكم، أم أننا نعيش كما لعبة (من غير كلام)؟ أم يمنحون للمواطن بطاقة ذكية تقوم بحل الشيفرة وإعطاء الرقم الصحيح؟!

العدد 1104 - 24/4/2024