الرأسماليون الجدد.. واقعنا يتكلم بوضوح.. جدلية الصراع الطبقي بين الحكومة والشعب

سليمان أمين :

يعتبر الغلاء وارتفاع الأسعار الهائل الذي يعيشه مجتمعنا اليوم المؤشر الاقتصادي لارتفاع معدلات الاستغلال الطبقي في المجتمع، فهو يعني ارتفاع أرباح الطبقة المسيطرة اقتصادياً واجتماعياً، كما يعني توسعها في استغلال أكبر لفئات اجتماعية أوسع، ومن الواضح أن الوضع السياسي والاجتماعي الذي تعيشه البلاد منذ سنوات بسبب الحرب وغياب المنهجية الحكومية الإدارية الفاعلة، مواتٍ للقوى المسيطرة، مما دفعها لشن هجوم اقتصادي واسع على الفئات الشعبية الفقيرة، وذلك من خلال رفع سعر العملات الذي يقابله رفع أسعار المواد المعيشية وغيرها، وذلك من أجل تدعيم سيطرتها على كل المنافذ الاقتصادية والتجارية والاجتماعية وغيرها، إضافة إلى تهميشها للقوانين الناظمة، بسيطرتها على منافذ القرار الحكومية، وتعزيز هجماتها القمعية والعدوانية وزيادة تهديداتها عبر التصريحات وغيره، وأمثلة الواقع كثيرة ولعل ملف الجمارك الذي فُضح مؤخراً عبر إحدى الإذاعات السورية المحلية، كان واضحاً جداً إقصاء الموظفين الذين قاموا بعملهم وفق القانون وبأمر من الإدارة العامة للجمارك، بمصادرة بضاعة لأحد التجار الكبار الذي هدد وتوعد ونفذ بقوة ماله وداس القانون العام الذي يحمي المؤسسات العامة وموظفيها! وما هذا سوى مثال بسيط جداً لما جرى ويجري في تفريغ مؤسسات الدولة من خبرائها ومختصيها وموظفيها النظيفين، والاستعاضة عنهم بمن لا يملك الخبرة ولا المؤهل، وما علينا سوى دراسة واقع كل مؤسسة لنرى التفريغ الممنهج الحاصل منذ سنوات.

كما أن التراجع والخلل في الأداء الحكومي الحاصل منذ سنوات، وزيادة النقد الشعبي وارتفاع مطالبه بأبسط حقوقه ورفضه لما تصدره الحكومة من قرارات مجحفة بحقه عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي اعتبرها المواطن المتنفس الوحيد له لإيصال صوته الحقيقي، قابله هجوم اقتصادي للقوى الطبقية التي بنت ثرواتها باستغلال الطبقات والفئات الاجتماعية الأخرى التي تعيش على دخلها اليومي، وحاولت ومازالت حتى اليوم تعمل لإسكات المواطنين عن المطالبة بحقوقهم التي نص عليها دستور البلاد الصادر عام،2012 بالتهديد والوعيد وصناعة قوانين تجرّم وتخوّن من يكتب وينتقد ويطالب.

إن ارتفاع الأسعار التلقائي للمواد الأساسية الاستهلاكية للفقراء، من خضار وزيت ولحوم ودجاج وطحين وو…الخ، إضافة إلى ارتفاع أسعار المكملات الأخرى كالدواجن والحليب ومشتقاته، ثم الارتفاع المرتقب في سعر المحروقات من بنزين ومازوت وغاز وتحرير أسعارها، بعد أن تم تخفيض الكمية المدعومة إلى أدنى حد وجعله على البطاقة التموينية الذكية التي تذكّرنا بدفتر التموين الخاص بالمواد الأساسية كالسكر والشاي الذي جرى إلغاؤه وتحرير أسعاره المدعومة، وكي لا ننسى أسعار الأدوية التي لم تجد ضوابط لها أبداً، فكل يوم تسعيرة جديدة أعلى وتعديل جديد، حتى بات المواطن يجد سعر دوائه بفوارق مالية مختلفة بين صيدلية وأخرى، وتقليص إن لم نقل انعدام الخدمات الأساسية للمواطن السوري، والارتفاع الكبير في أسعار العقارات والإيجارات بفضل الاحتكار والجشع، والتواطؤ بين المستفيدين والتجار.

إن زيادة أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية لحياة المواطنين يعود لعدد أسباب، منها التحكم بسعر الصرف من قبل مجموعة من المتلاعبين الذي لم يجدوا من يردعهم بالقانون عن لعبتهم القذرة لسنوات، وما التصريحات الحكومية والوعود بتثبيت الدولار وتخفيض سعره، وتخفيض أسعار المواد الاستهلاكية، ومعاقبة التجار المتحكمين سوى أبر تخدير فقدت مفعولها، كل هذا يبين الدور الطبقي للحكومة، بل المحرك الأول والأساسي لشره التجار والاحتكاريين وإقبالهم الجيد على أكل لحوم المستهلكين الفقراء، في مجتمعٍ الغلبة فيه للأقوى والويل كل الويل للمستضعفين في الأرض.

 

التجار المتنفذون قانونهم بسلطة مالهم

لم نجد حتى اليوم أي محاسبة حقيقية لفاسد وتاجر حرب، ولم نرَ أي تطبيق للقوانين سوى على الفقراء الذين لا حول ولا قوة لهم، وإن حاول مسؤول ما تطبيق القانون على تاجر متنفذ، لا تمضي دقائق حتى يقال من منصبه وتوجه له تهم مختلفة أبسطها وهن عزيمة الأمة والتلاعب بالوظيفة العامة، وهذا ما جعل الكثيرين يصمتون عن الأخطاء الحاصلة، فليس هناك من يحميهم سوى صمتهم ليحافظوا على ما بقي من كرامتهم، وهناك البعض الذي لم يقبل برؤية الفساد ولا السكوت، فقدم استقالته أو ابتعد عن منصبه، لقد باتت مدننا وشوارعنا تتبع لفلان ولابن فلان، وما اللاذقية سوى مثال بسيط لذلك، فيكفي أن تشاهد بصمت ما يحدث، وإن مررت بباب المرفأ الرابع لرأيت أن عقدة المواصلات التي تغذي المنطقة الشمالية تحولت إلى كراج لنادٍ رياضي يقبع هناك تغلق سيارات أولاد المسؤولين والتجار الفارهة والمفيمة مداخل الطرق، بعد أن ألغت أرصفة المواطنين. لن نوجّه لومنا لشرطي المرور ولا لإدارة المرور، فلا أحد يستطيع أن يزيل هذه المخالفات اليومية حتى لا يزال بالحبر الأخضر قبل أن تغلق سماعة تاجر أو متنفذ يعقد اللسان بالورق الأخضر، وهذا ليس سوى مثال بسيط، فكيف لك أن تزور الأميركان أو تمر بالزراعة والطابيات وغيرها، وليس حال مدننا الأخرى بالأفضل.

ختاماً لا بد من تساؤلات بات يفرضها منطق الواقع في عقل كل مواطن سوري اليوم، كلٌّ يعبر بها وفق رؤيته ونحن نتساءل كسلطة رابعة:

متى نرى القانون يطبّق وفق الأصول؟ متى تعود للسلطة القضائية هيبتها، وإبعادها عن طبقة التجار والمحتكرين ممن يعملون بكل قواهم لإعادة الرأسمالية برونق جديد بعد أن تم اقتلاعها في ستينيات القرن المنصرم، فما نراه اليوم واقعياً هو فصل طبقي كبير جداً بات واضح المعالم، فسلطة القانون باتت تتحكم بها القوة المالية للتجار والمتنفذين وزعران الحرب ممن يبيعوننا الوطنيات والشعارات الرنانة.

كما أن جدلية الصراع بين الحكومة الطبقية والمجتمع المتعدد الطبقات والفئات باتت أكثر وضوحاً، وستبقى مستمرة بفعل التناقض التركيبي ذاته حتى يتم تغيير آلية العمل الحكومي وابتعاده عن طبقة التجار وأصحاب الثروات، واقترابه ووقوفه إلى جانب الطبقة الكادحة والفقراء والمظلومين والمستلبين، ومكافحته ببسالة وتواصل لإسقاط منظومة الاحتكاريين الرأسماليين الذين لا يتوانون لحظة واحدة في السيطرة على الاقتصاد واحتكار كل شيء.

العدد 1102 - 03/4/2024