مُواطَـنة مقنــّعة

ريم الحسين:

كيف لتسريبات عن خطط حكوميّة أن تجعل بلداً كاملاً يعيش في مأزق حقيقيّ!

ماذا لو سُرّبت آلاف الخطط الفاشلة سابقاً وليست وليدة اليوم، والّتي تسببّت بكوارث حقيقيّة من حيث لا ندري؟

الشّفافيّة تبدو علاقة محرّمة بين المواطن والمسؤول. هذا ما اعتدنا عليه حتّى إن كان هناك إشاعة ما، فثقة المواطن بمسؤوليه معدومة!

الشّوارع تغصّ بآلاف الوجوه المكفهرّة المريضة غير الراضية، حتّى أصبح الحديث عن همومها مُستهلكاً مُكرّراً مملاً، يا تُرى ماذا يحدث في هذا البلد؟!

نحتاج إلى حكومة حرب على الأصعدة كافّة، البلد في حالة حرب ليست فقط عسكريّة كما كانت، وإنّما يخيّم شبح الحرب الاقتصاديّة على كلّ العائلات بشكل مرعب ومخيف، حتى تشعر أن الحرب العسكريّة ليست إلّا (بروفا) للتّفنّن في قتل السّوريين!

غريبة هذه البلاد! لا شيء فيها منطقيّ، لا تدري هل هي على شفير الهاوية أم بيد العناية الإلهيّة تحرسها من الهزّات، لم يتنفّس النّاس هواء دون نار ورصاص حتّى أتاهم الموت من مكان آخر بلبوس حصار اقتصاديّ خانق!

ألم يكن أيام حصار النّار أيضاً حصارٌ اقتصاديّ جاثم على البلد! ما الّذي تغيّر؟ ما الّذي يحدث؟! سيقولون: عقوبات! وهل كنّا يوماً دون عقوبات! وعلى فرض أن ذلك دقيق، أليس هناك دول عانت وكذلك نحن سابقاً؟ فأين الخطط؟ أين العقول؟ أين المَخخرج؟ ما كلّ هذا الخراب؟!

ثمّ ما هذه العقوبات الّتي لا تؤثر على الأغنياء في بلدي وإنّما فقط لقتل الفقراء؟! كيف، بل لماذا نرى الجوع والفقر يفتك بأناس، وعلى بعد أمتار تجد الغنى الفاحش يعيشه آخرون؟! ما هذا الظّلم!

يقول آباؤنا عن حصار الماضي إنّهم بالرّغم من كلّ الظّروف كانوا سعداء، لم يشهدوا ما شهدته البلاد هذه الأعوام.

يتحدّثون عن البساطة والرضا، وعن أنّ غالبية النّاس يعيشون بالمستوى المعيشي نفسه تقريباً، فلا حقد دفين، ولا استعراض، ولا ارتفاع هائل للأسعار، أم لم يكن في ذلك الزّمن تكاثر مخيف (للحيتان)!

الرّعب والخوف وعدم الأمان وعدم الاستقرار، ويأتي الفقر والجهل والتّخلف مترئّساً القائمة، هي مقوّمات الفشل والفوضى وأساس الحروب وإراقة الدّماء واستنزاف النّاس، هل هي لعنة الشّرق أم لعنة الفساد؟!

 

ارفعوا الدّعم!

الدّعم الحكوميّ لبعض الأساسيات، الغرض منه دعم الطّبقة الفقيرة، لكن هذه السّياسة كانت جيّدة في الماضي، أمّا الآن فلم يعد هذا الدّعم يؤتي ثماره للفقراء كما يجب، إذا لم يطبّق أولاً على مبدأ الشّرائح المستفيدة. فعلى سبيل المثال وليس الحصر، دعم البنزين على البطاقة الذّكية للسّيارة الواحدة سيستفيد منه الأغنياء أيضاً وأكثر من الطّبقة المتوسطة، لأنّ الطّبقة الفقيرة لا تملك سيارات، الطّبقة الفقيرة ستتحمّل وتدفع غلاء النقل والمواصلات.

رفع الدّعم عن المحروقات مثلاً وزيادة نسبة الدّعم هذه إلى الرّواتب والأجــــــــــــور أكثر عــــــــــــدالةً، لأنّ معظم الموظفين الّذين ســـــــــــيستفيدون من زيادة الأجور هم من الطّبقة الفقيرة والمتوسطـــــــــة، الّتي لا يملك أغلبها سيارات، ستزيد أجور النقل والمواصلات وأسعار بعض السّلع، هذه الزّيادة تقابلها زيادة الرّاتب، هنا لم يعد لتسريبات إلــكترونيّة أيّ قيمة على الإطلاق، ولن تؤثر مستقبلاً في حدوث أزمة تخنق البلد والسّكان، ولن يكون هناك داعٍ للاعتقـــــــــــالات التّعسفيّة بحقّ الصّحفيين، أجور سيارات التّكسي ارتفعت تلقــــــــــائيّاً دون الحاجة إلى رفع الدّعم إلى النّصف؟!

لماذا هذا الاستخفاف بعقول المواطنين؟ سواء كان السّبب من مصر أم غيرها أو تداعيات العقوبات، أين حقول نفطنا المحرّرة؟

عشرات الأسئلة يومياً يعيشها المواطنون دون جواب مقنع ولا أمل، لا تقتلوا الأمل فيهم، فهؤلاء هم وقود الصّبر والصّمود ودعم الانتصار! لكن أين أيوب من صبرهم ونفاده وغليان الشّارع المستمر، حتّى يتلاشى لديهم شعور المواطنة والانتماء!

كيف ستحدّثهم عن الوطن؟ يسيرون على عمى دون إدراك لمستقبل أطفالهم، يفكّرون في الخلاص. هذه هي المواطَنة المقنّعة، فلا هم يشعرون بمواطنيّتهم، ولا الوطن يعطيهم مقوّماتها، وإلى أين يسير بنا هذا المركب الهائج؟! لا ندري!

على أمل أخير أن تهدأ العاصفة وتفرّغ الأجساد والأرواح حِملها الثّقيل على برّ الوطن الآمن كما كان، وكما بالحنكة والصّبر والإدارة الجيّدة لما يحصل سيكون دائماً.

المجد للشّهداء، حماة الدّيار عليكم سلام.

العدد 1104 - 24/4/2024