فضاءات ضيقة | بـاسم عبـدو.. حيّ في قلوب أصدقائه
د. عاطف البطرس:
أقام اتحاد الكتاب العرب_ فرع مدينة دمشق، ندوة ثقافية تناولت الإنتاجين القصصي والروائي للكاتب باسم عبدو، تحدث فيها كل من عوض سعود العوض، عن شعرية السرد عند الكاتب الراحل من خلال مجمل إنتاجه، مركِّزاً على مجموعته القصصية (اعترافات عائشة). وتحدث أيمن الحسن عن كتاب باسم عبدو الذي يحتوي مجموعة مقالات جمعت في كتاب صدر بعد رحيله تحت عنوان (مفارقات ساخرة)، ومن جملة ما قاله: لم أجد في الكتاب ما يحمل عنوانه، فليس فيه سخرية، والطابع الغالب على مقالاته هو السرد.
كما قدم رياض طبرة شهادة عن الأديب الراحل عرضت لأهم مزاياه الأدبية والإنسانية وإخلاصه للقيم والمبادئ التي آمن بها، كما نوه بانحيازه إلى الفئات الشعبية وتبنّيه قضايا الفقراء.
كان لي شرف المساهمة في الندوة، بتقديم شهادة عن الكاتب اقتصرت على الجانبين الإنساني والمهني وتاريخ معرفتي به، وتطور تلك المعرفة من علاقة حزبية إلى صداقة وزمالة عمل.
عرفت الطالب باسم عبدو طالباً في كلية الآداب قسم الجغرافيا عام ،1970 ولم يكن لكلينا اهتمامات أدبية أو ثقافية باستثناء ما نطّلع عليه من كتب سياسية وفكرية تدعم انتماءنا الحزبي المشترك. وبعد غياب طويل وانقطاع العلاقة بسبب التشتت الوظيفي، التقينا مصادفة في أمسية أدبية، وكنت قد قرأت له مقالات كثيرة في الصحافة السورية أثناء وجودي في الاتحاد السوفييتي، وكثيراً ما قلت في نفسي: هل هو باسم عبدو الذي أعرفه أم شخصٌ آخر يحمل ذلك الاسم، إلى أن رأيت صورة له على صفحات إحدى الجرائد، فتأكدت أن باسم عبدو هو نفسه الشخص الذي عرفته قبل عشرات السنوات، إذ به أصبح قاصاً وروائياً وكاتب مقال أدبي وسياسي.
وبعد عودتي إلى دمشق عام 2003 تجددت العلاقة بيننا في لقاءات ذات صفة أدبية، وتطورت علاقتنا إلى صداقة تقوم على احترام متبادل أساسه الموضوعية والنزاهة العلمية.
إلى أن جمعني بالراحل عمل مشترك في جريدة (النور) وكان قبولي فيها بفضل إلحاح منه وأرجو أن لا يكون من قبلني للعمل في الجريدة نادماً على ذلك.
كان باسم عبدو مديراً للتحرير، ثم رئيساً لتحرير الجريدة. خلال علاقتي به لم ألمس لا أنا ولا غيري من الزملاء العاملين فيها أي إحساس منه بالاستعلاء أو تمييز، كل همّه أن يصدر العدد بأفضل شكل ومحتوى ممكنين، ومازال الجميع من زملاء العمل يذكرونه بكل الخير.
باسم عبدو إنسان متواضع مع اعتزاز بالنفس، وحرص واضح على الكرامة الشخصية، صحيح أنه كان سريع الانفعال لكنه كان قريب الرضا، وإذا شعر بأنه أخطأ لا يجد غضاضة في الاعتذار.
من إشكاليات هذه الشخصية اللغة الشاعرية في نصوصه ورهافة الحس والحماس للموضوعات التي يتناولها.
كما جمعتني بالصديق باسم عبدو علاقات أخرى، بعد أن أصبح عضواً في المكتب التنفيذي لاتحاد الكتاب العرب، فكان مثالاً للنقابي المتفاني في خدمة زملائه، الحريص على صفاته الشخصية مدافعاً عن أفكاره مناصراً للمظلومين دون تمييز بينهم على أسس حزبية أو فكرية، يقف على مسافة واحدة من كل أعضاء الاتحاد، وبذلك شكّل رحيله خسارة للجميع.
خلاصة القول: باسم عبدو إنسان بكل معنى الكلمة، وفيّ، مخلص، محب، متسامح، متواضع، كتب في عدة أجناس أدبية القصة القصيرة، الرواية، المقالة وتميز بمقالاته الساخرة، والسؤال المطروح أدبياً: ماذا لو اقتصر إنتاجه على جنس أدبي واحد، أما كان قدم لنا نوعاً أدبياً متميزاً بدل أن يبعثر موهبته في اتجاهات مختلفة ومتنوعة؟
شكراً لاتحاد الكتاب العرب فرع دمشق، ولكل من نظم وشارك وحضر الندوة وفاء لإنسان أحب عمله كما أخلص لأصدقائه.
إن أفضل عمل نقوم به من أجل الراحلين هو إعادة النظر في منجزهم الإبداعي ومسيرتهم الإنسانية باحثين منقبين في دراسات موضوعية تنصفهم، وهو أقل الواجبات من الأحياء لمن فقدناهم، فهم يستحقون ذلك بل أكثر، وحسبهم أنهم قدموا أرواحهم وعصارة فكرهم ومعاناتهم وتجربتهم الحياتية على الورق ملونين بياضه بإبداعهم وخصالهم ومآثرهم.