الاعتراف بالذنب والتراجع عن الخطأ فضيلة

وعد حسون نصر:

من الطبيعي أن نخطئ لأننا بشر ولسنا ملائكة، وغالباً ما تكون أخطاؤنا عن غير قصد، لذلك من الطبيعي الاعتذار عن الخطأ وخاصة إذا أساء للآخرين. ولا تقتصر أخطاؤنا على الصعيد الشخصي أو بين زملائنا بالعمل والأصدقاء والأقارب، وإنما قد تحصل كذلك على المستوى العام (في الوظيفة مثلاً) كأن يُخطئ شخص ذو منصب أو مركز قيادي. فكثيراً ما نسمع في الدول المتقدمة أن هناك وزيراً أو نائباً قد تقدّم باستقالته وتنازل عن منصبه بسبب خطأ ما ارتُكب في مجال عمله أو الدائرة المعني بها ولا يستطيع أن يقوّم هذا الخطأ، ولحفظ ماء وجهه أمام الآخرين وأمام ذاته يقوم بالاعتذار والتخلي عن مكانه لمن يجد لديه كفاءة أكثر، وليبعث روحاً جديدة قادرة على تقويم العمل بكفاءة أكبر أو شباب جديد أكثر اندفاعاً وعطاءً. أمّا في بلداننا النامية والتي مازالت تقبع تحت مظلة المحسوبية وإلقاء اللوم والأخطاء على الآخرين، فمازال مفهوم الاعتذار والتخلّي عن منصب ما في العمل أو أي وزارة يُعَدّ تعبيراً عن ضعف وهروب من المسؤولية، وأن المدير أو الوزير الذي أخذ نصيبه من قوت الشعب لا يتخلى عن مهامه إلاّ لأن منصبه لم يعد يُلبي طموحاته الشخصية الأعلى بكثير من بقائه بهذا المنصب، لذلك يجد من الخطأ منفذاً للهروب والنظر باتجاه مكان ربما أعلى، علماً بأن الشعور بالمسؤولية وقيمة العطاء وتخلينا عن موقعنا إن كُنّا غير قادرين على إدارته، يجب أن يدفعنا للابتعاد كي لا نُضيّع على الآخرين فرصة تقديم خدماتهم أو هدر وقتهم دونما فائدة وتكليفهم أثماناً باهظة مقابل خطأ صغير وعدم تصحيحه يتفاقم ليجرف معه سيلاً من الأخطاء.

لذلك أجد أن فكرة العزوف عن أي مكانة ومنصب، لاسيما إذا وجدنا أنفسنا غير قادرين على العطاء وتقويم الخلل وتصحيح الفساد، هو أفضل وأرقى بكثير من التشبّث بمنصبنا، وخاصةً إذا كان الشخص صاحب المسؤولية في سنّ متقدمة، فمن الأفضل له التخلي ليسمح بضخ روح شبابية أكثر حيوية وعطاء، وتستطيع التأقلم مع معطيات الواقع، والأهم أن يكون لديها خبرة بإدارة الأزمات لنكون كغيرنا من الدول المتحضّرة، وأنه علينا إدراك حجم الخطأ ومدى انعكاسه على الآخرين والمجتمع بشكل عام، لذلك نعمل للتقويم وإن لم نستطع نبتعد لكي لا نزيد العبء عبئاً، وبهذا فقط يمكن أن ننهض بروح متعاونة رافضة للأنانية شعارها الفرد للكل والمجتمع لأبنائه جميعاً، فهو يكبر بعطائهم وبروح التعاون لا بالأنا.

العدد 1105 - 01/5/2024