شو عم يصير | وهن بالجملة

مادلين جليس:

من ثلاثة أعوام إلى خمسة عشر عاماً هي عقوبة السجن التي تُفرَض بحقّ من ينشر أخباراً كاذبة، يوهن من خلالها نفسية الأمة. هذا مفهوم لنا، مع أننا نرفضه ضمنياً، فحقّ التعبير عن الرأي مصون في دستورنا، لكن هل تشمل هذه العقوبة التصريحات الكاذبة والوعود الزائفة التي يطلقها مسؤولونا بين الفينة والأخرى؟ إذ لا نعتقد أن هناك من أوهن نفسية الأمة أكثر من تكرار الوعد بزيادة الرواتب مثلاً، ثم هل من عقوبة لوزير بسبب تناقض تصريحاته بخصوص تخفيض ساعات تقنين الكهرباء، أو لذاك المسؤول الذي صرعنا بخطاباته عن انفراج أزمة الغاز، وتأمين المازوت المنزلي والصناعي وغيره؟

فمنذ أن انطلقت الوعود الحكومية بزيادة الرواتب، بدأ الموظف يحسب ويفكر ويسهر الليل في حساب مقدار الزيادة الميمونة، وهل هي مئة بالمئة، كما صرح أحدهم، أم ستكون بحيث يشعر بها المواطن، كما قال مسؤول آخر، أم أن الراتب سيتحول من (ما عاش) إلى (قادر على العيش) أطول فترة ممكنة بحيث تمتد حياته لما بعد عشرين الشهر بسبب تلك الزيادة، وغير ذلك من التداعيات التي أثارتها التصريحات المتكررة، لكن عدم ثبات النسبة، والتناقضات التي احتوتها البيانات الإعلامية، لم تؤدِّ فقط إلى وهن نفسية المواطنين المعترين أساساً، بل جعلت الفالق زلزالياً بينهم وبين المسؤولين عنهم، لدرجة أن الثقة حتى مع أعضاء مجلس الشعب انعدمت، ويقال عنهم: لا ممثّلون عن الشعب، بل ممثلون عليه، لذا فإن المواطن/ الموظف على موعد جديد يمدّ يده (للّي بيسوى واللي مابيسوى)، طالباً الاستدانة مرة تلو الأخرى حتى ينتهي هذا المُسلسل البايخ.

الأنكى من ذلك أن موضوع الزيادة طُرح منذ قرابة السنة، ولم يبقَ مدير ولا وزير ولا مسؤول إلا وأدلى دلوه فيه، كما أنّه أحدث ضجة إعلامية كبيرة لها أول وليس لها آخر، ونُسِيَ الموضوع بعد ذلك وكأنه (فصّ ملحٍ وذاب)، فأين ذهبت الوعود الميمونة؟ ولمَ لم ير المواطن منها أيّ شيء؟ بل لمَ انعكست هذه الوعود بزيادة في الأسعار؟ هل يعقل أن الزيادة المقصودة كانت باتجاه الأسعار والمواطن لم يستطع التمييز بين زيادة الرواتب وزيادة الأسعار؟!

وكي لا يقول قائل إن ارتفاع الأسعار جاء بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار، فإننا نورد له قائمة طويلة من المواد والمنتجات محلية الصنع ارتفعت أكثر من المستوردة، إلا إذا كنا نستورد البندورة والبقدونس، والفروج والبيض، واللحوم، وغيرها كثير من المواد، دون أن نعرف!؟

كل ذلك ومازلنا نتحدث في إطار الوعود، الوعود التي لم تثمر إلا أزمات في الغاز، واختناقات في أدوار الخبز، وانقطاع متزايد في الكهرباء، وافتقار كبير إلى المحروقات بأنواعها، الوعود التي لم نعد نرغب بتحقيقها، إنما بتنا نطلب فقط أن تتوفّر احتياجاتنا الأساسية.

ويبقى السؤال الملح الذي يخطر في بالنا: هل يكذب المسؤول على زوجته وأولاده؟ وماذا يقول لعائلته حينما تسأله عن صدق تصريحاته التي تسمعها على الفضائيات وتقرؤها في صفحات الجرائد والمواقع الإعلامية؟!

هل يعدهم بزيادة في الخرجية؟!

العدد 1104 - 24/4/2024