ضحايا الحرب والفقر والإهمال

ولاء العنيد:

من يظن أن الحرب دمرت الحجر في بلادنا فقط، وأن تبعات الحرب ستنتهي بعد أن يعاد إعمارها بأفضل شكل، فهو واهم، ومن يظن أنه عند إعادة بناء ما تهدّم ستُحَلّ مشاكل البلد وتنتهي، فهو لم يلحظ بعد صعوبة بناء ما هدم في قلوب الناس، وما تركته الحرب من آثار، ومظاهر، سيكون من العسير استئصالها، ولكن من المهم جداً الوقوف عندها، والبدء من الآن بالعمل على إيقافها قبل أن تنتشر أكثر، ومن هذه الظواهر التي تصنَّف بأنها شديدة الأهمية: تشرُّد الأطفال.

من المعلوم أنها ليست بالظاهرة الجديدة، ولكنها تفشّت أكثر بعد الحرب، وخلال الفترة الماضية ظهرت كثير من الدعوات لرعايتهم ، وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، مرفقة بصورة لطالما رأيناها، لطفلٍ بحالة يرثى لها، ولكن هل حقاً تأملنا بحال ذاك الطفل ابن العشرة أعوام، الذي كان منذ بضعة أيام في أحد الأسواق يرتدي ثياباً رقيقة، ويضع قبعة على رأسه المتكئ على واجهة أحد المحلات، يضمّ قدميه بيديه ليدفئ نفسه، وهو غارق في نومٍ عميق، رغم زحمة الطريق بجانبه وكثرة المارة الذين لم يلحظوا وجوده أصلاً؟ ومن انتبه لحاله توقف لبرهة قصيرة وأكمل طريقه.

إنها صورة ألفناها بسبب الحرب، ولكن ليقف كل شخص منا مع نفسه، وليتخيل أن هذا الطفل النائم في الطريق هو ابنه أو أخوه الصغير، فما الذي كان سيفعله؟ هل كان سيمرّ بجانبه وهو غير مبالٍ، أم أنه سيفعل المستحيل لنشله من هذا المستنقع وهذه الحال؟

من هنا يبدأ دور الهيئات الإنسانية، والمجتمع المدني، ويظهر تقصيرها أمام زيادة نسبة انتشار هذه الظاهرة، فمن الأطفال من يعمل بالتسول بعد أن هجِّر بسبب الحرب ليعيش مع أسرته، وينفق على أهله، ومنهم من وجد نفسه يتيماً في لحظة واحدة، ولا أحد يهتم به، فوجده شخص من ضعاف النفوس استغل طفولته وجعله يعمل بالتسول لحسابه مقابل المأوى والطعام، ولكن متى تهتمّ الجهات الحكومية بانتشار هذه الظاهرة؟ أليس من المفروض أن تتخَذ خطوات فعلية لاحتواء هذه الحالات والاهتمام بهؤلاء الأطفال، قبل أن يلتهم الجهل والفقر ما بقي من طفولتهم؟

علينا العمل كهيئات إنسانية وكمجتمع مدني، بالتعاون مع الحكومة السورية، على رعاية هؤلاء الأطفال، ووضعهم في دور مخصصة للاهتمام بهم، وتقديم الدعم النفسي الرعاية الصحية الكاملة، ومن ثم الاهتمام بتعليمهم ليكونوا أفراداً فاعلين في المجتمع، لا عبئاً يثقل كاهل الحكومة بتبعات تشردهم، وما قد يتحولون إليه بسبب الفقر والجهل الذي يعيشون فيه حالياً. علينا حماية أطفالنا لأنهم لبنة أساسية من لبنات مجتمعنا، والحفاظ عليهم ورعايتهم، فهم ضحايا لأسباب لا يد لهم فيها.

إن العمل على إنجاح التسويات السياسية للمسألة السورية، يوفر الدماء.. والدمار والمزيد من ضحايا الأعمال العسكرية، ويحمي أيضاً الطفولة من التشرد وفقدان المعيل.

العدد 1104 - 24/4/2024