الإدارة والسياسة

لا شكّ أن كل إدارات العالم المتقدم تعتمد على الخبرات والشهادات الإدارية مدخلاً للعبور إلى بنية الوظيفة العامة، التي هي مشروع سياسي بالدرجة الأولى، لكن الوضع في سورية يختلف كثيراً، ولاسيما أنه كثر الحديث عن تحديث الوظيفة العامة وتحقيق الأحلام المنشودة منذ عقود، دون جدوى.
قانون العاملين الأساسي رقم 50 لعام 2004 الذي يحكم آلية عمل بنية الوظيفة العامة لا يوضح آلية الارتقاء الوظيفي، ولم يعتمد معايير الكفاءة والخبرة في التوظيف، ما فتح الباب واسعاً أمام المحسوبيات والفساد، في ظل بيئة عمل تزداد فيها الفجوة بين الإدارة العامة السورية، وما ينبغي أن تكون عليه بعد أكثر من ثلاثة عقود من محاولات الإصلاح.
يشكل قانون الموظفين الأساسي رقم 135 لعام 1945 التشريع الأول الذي نظم الوظيفة العامة في الدولة، لكن في عام 1985 صدر القانون رقم 1، وسُمّي النظام الأساسي الذي استمر العمل بموجبه حتى عام 2004، عام صدور قانون العاملين الأساسي رقم 50 الذي أصبح يحكم عمل الوظيفة العامة حتى الآن.
إلا أن بعض خبراء القانون يرون أن القانون رقم 50 سبب رئيسي للفساد الإداري، لأنه لم يوضح آلية الارتقاء الوظيفي، ولم يعتمد الكفاءة والخبرة في التعيين وإسناد الوظائف، ويخضع التحاق المواطنين بالوظيفة العامة لمقتضيات ضمان سير المرفق العام بانتظام، وذلك ما يفسر ورود العديد من الشروط لتولي الوظائف العامة، التي منها المساواة والجدارة إضافة إلى شروط القانون بالمادتين 7 و8.
إن البنية التنظيمية للوظيفة العامة لا تزال بنية ضعيفة قاصرة على مواد قانون العاملين الأساسي فقط، التي تحدد فئات العاملين وطرق تعيينهم ونقلهم وآلية ترفيعهم، في حين إنها يجب أن تركز على تحسين استثمار المورد البشري في الجهات العامة.
إن سورية تأخذ بنظام الوظيفة المغلقة، التي تعني وجود عمل مستقر بنصف دوام، ويخضع لنظام قانوني خاص متميز ومستقل عن القانون الناظم للوظيفة في القطاع الخاص، كما تخضع الوظيفة وفق التسلسل الإداري، ويتميز هذا النظام بوجود مسار وظيفي دائم يترقى فيه الموظف حتى سن التقاعد.
إن كثرة التشريعات القانونية خلقت فوضى تعذر التحكم فيها من طرف المكلف بتطبيقها، وهذا ما أدى إلى ضياع معالم نظام الوظيفة العامة فلا يمكن تصنيفه مغلقاً أو مفتوحاً.
في حين لم ينص القانون 50 على معايير وشروط شغل مناصب الإدارة الوسطى والعليا، التي تندرج من رئيس دائرة إلى معاون وزير، ودرجت العادة على عرف أن يكون التعيين في هذه الإدارات حسب الولاءات والوساطات والمحسوبيات.
وهذا ما يخلق الكثير من البيروقراطية السلبية والمعيقة للعمل الإداري، نتيجة عدم اتباع سياسة وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وقيام الحكومات السورية المتعاقبة بنهج سياسة التوظيف (الاجتماعي)، ما أدى إلى ظهور بطالة مقنّعة ضمن بنية الوظيفة العامة، كان من أبرز صورها توظيف الناس بكثافة (التضخم الوظيفي) في مختلف الشركات والمؤسسات العامة، كل ذلك أدى إلى وجود سوء توزيع للموظفين وتسيّب وظيفي، إضافة إلى عدم وجود هيكليات تنظيمية واضحة مثل الوصف الوظيفي للموظفين، ونظام المراتب الوظيفية.
حتى أصبح هناك نعوت جديدة للعمل الحكومي، أصبح الموظف يستخدمها، وهي دليل على البطالة واللاعمل واللاجدوى، من قبيل: (أنا رايح ع الدوام) و(أنا رايح أفطر فول)، وبالتالي هو لا عمل لديه (أنا موظف حكومي)، لأنه لا يوجد عمل سوى (شرب المتة) وغيرها الكثير من المسميات والتصرفات.
وبالنتيجة، معيار الإصلاح الإداري ليس بضخامة الهياكل الإدارية، ولا بتوفير مؤسسات متعددة، ولا بالدورات التدريبية للموظفين، إنما بتحسين العلاقة بين الإدارة والمواطن، وصولاً إلى الحصول على ثقته.

العدد 1105 - 01/5/2024