دور أمريكي في المواجهات الهندية_ الباكستانية الأخيرة

د.صياح عزام:
شهدت الهند وباكستان مؤخراً تصعيداً بنيهما في إقليم (كشمير)، وهو الإقليم المتنازع عليه منذ الأربعينيات من القرن الماضي بين الجارتين اللدودتين، ولأجل (كشمير) هذه، شنَّت ثلاث حروب طاحنة بينهما، الأخيرة منها عام 1972، إلى جانب اشتباكات حدودية محدودة بين الحين والآخر.
والجدير بالذكر، أن مساحة كشمير تبلغ 86000 كم2، 65000 منها للهند، والباقي لباكستان.
الاشتباكات الأخيرة بدأت بسبب إقدام جماعة إرهابية على تفجير في كشمير الهندية أدى إلى مقتل 31 شرطياً، الأمر الذي أدى إلى رد فعل هندي تجسد في قيام طائرات حربية هندية بقصف معسكرات ما يسمى بـ(جيش محمد) الذي تتهمه بالمسؤولية عن التفجير، وسقوط طائرة هندية وأسر طيارها.
بطبيعة الحال، في ظل إرث من العداء والحروب بين الطرفين يخشى من أن يتدحرج الأمر نحو اقتتال قد يقود إلى حرب طاحنة لا رابح فيها، لماذا؟
أولاً: لأن الدولتين متجاورتان، وثانياً: لأن بينهما روابط مشتركة كثيرة وتاريخية اقتصادياً وسياسياً، وبالتالي فإن التوتر بينهما يؤثر على عملية التنمية في البلدين، ثالثاً: يملك البلدان أسلحة نووية وجيوشاً جرارة، وفيما لو اشتعلت نار المعارك بينهما، فإنها ستأتي على الأخضر واليابس كما يقال، وستكون معارك (صفرية).
ويبدو حتى الآن أن لغة العقل والسلم وضبط النفس، والتلاقي الدبلوماسي، قد طغت على لغة الحرب، وأن التروي هو الذي يحكم الموقف، وخاصة أن باكستان أكدت ضرورة التحقيق في مسألة التفجير الذي حصل ومحاسبة المسؤولين، وقطع الطريق على مجموعة من المجرمين الإرهابيين الذين يريدون تدمير بلدين كبيرين قدما للإنسانية الكثير، ولهما مكانة عالمية كبيرة.
بالتأكيد، إن الإسلام السياسي المتطرف ذو الجذر القاعدي له وجود كبير في باكستان، ولاسيما في كشمير، حيث نما فيها واشتدت شوكته بفعل مراكز إسلامية دينية أنشأتها ومولتها السعودية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن المخابرات الباكستانية قدمت تسهيلات لوجستية كثيرة وحرية حركة للتنظيمات الإسلامية، وبالتحديد لما يسمى (جيش محمد) وهو التنظيم الذي نفذ التفجير الذي أشرنا إليه في بداية الحديث، ضد كتيبة للجيش الهندي في كشمير، ما أدى إلى مذبحة حقيقية استدعت رداً هندياً عليها.
والشيء المهم في هذه المواجهة الباكستانية_ الهندية، أن الولايات المتحدة الأمريكية لها يد خفية في الموضوع، بحسبما أشارت إلى ذلك مصادر موثوقة، ومن الأسباب التي دفعت واشنطن إلى ذلك:
أولاً: قيام الهند بشراء النفط من إيران، في حركة كسرت المقاطعة الأمريكية المفروضة على تصدير النفط الإيراني، فقد اعتبرت واشنطن هذه الخطوة الهندية هي بمثابة تحدٍّ لها وخروج على إرادتها وقراراتها.
والسبب الآخر، هو الانفتاح الهندي على روسيا والصين، وبالتالي فإن الأمريكيين أرادوا إرباك الهند، وإضعافها عبر إذكاء نار الفتنة والحرب بينها وبين جارتها باكستان.
الهدف الثالث أو السبب الثالث: هو الاستمرار من قبل الولايات المتحدة في تشويه صورة الإسلام في العالم، وإظهاره أمام الأديان الأخرى بأنه يميل إلى اتباع أسلوب الإرهاب ضد الآخرين وخاصة ضد الديانات الأخرى.
وهكذا يتضح أن الأيادي الأمريكية الشريرة تمتد إلى أي مكان في العالم دون رحمة أو شفقة، من أجل تمرير المصالح الأمريكية والهيمنة على الشعوب عبر إشعال بؤر التوتر هنا وهناك، وإشعال الحروب بين الدول أو حتى ضمن نطاق الدولة الواحدة، من خلال تبني مجوعات من العملاء تحت تسميات (معارضة) أو غير ذلك، بذريعة الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.
ختاماً، إن هذه الحرب في كشمير بين الهند وباكستان هي من أخطر الحروب فيما لو تصاعدت، وإن الولايات المتحدة ليست بريئة من التصعيد الأخير، كما أشرنا، لأن لها مصلحة في ذلك.

العدد 1105 - 01/5/2024