في عيدهن!

محمود هلال:

أقبل آذار يحمل نسمات الربيع، يحمل الدفء، ضحكت دمشق وأرخى جدائله قاسيون، تراقص بردى خفاقاً، تبسمت الغوطة لترتوي بمياهه بعد الجفاف، ولتزهر الأرض بعد اليباس من جديد.

نساء بلادي تعطّرن بماء السماء، استعداداً لعيدهن، بعد ثماني سنوات من الحرب والقهر والعذاب والنزوح واللجوء.

نعم، سنوات صعبة خاصة على اللواتي فقدن الزوج والابن والأخ والأهل والسكن والجيران والأصدقاء، فكانت معاناتهن كبيرة وحكاياتهن كثيرة لا تنتهي.

المرأة حلوة كما الحياة، وهي مصدر للسعادة (بس للي يفهمها)، وقد تكون مزيجاً من التناقضات تجمع السر والغموض والوضوح والشفافية في الوقت نفسه، لكن ليس عصياً علينا فهمها إذا أردنا، لكن ما هو حاصل غالباً أننا نتجاهلها ونقسو عليها ونسعى دائماً لإرجاعها إلى الخلف، لنبقى نحن في الواجهة نتسلق على نجاحاتها. ألم يقولوا (وراء كل رجل عظيم امرأة)؟ هكذا نحن الرجال العظام، نبقيها بعيداً عن دائرة الضوء ومراكز صنع القرار، لتبقى طوع بناننا والمنفذة لقراراتنا والملبية لرغباتنا.

قد نحاول أحياناً التودد إليها أو التقرب منها وذلك لغايات في نفوسنا، نقدم لها الورود ونخترع لها الكلام الجميل والمعسول، لكن ذلك لا يدوم طويلاً، نقوله في الثامن من آذار في يوم عيدها وننساه طوال أيام السنة!

كثير من النساء يقبلن بهذا القدر القليل من الاهتمام، ويعرفن جيداً هذا النوع من التمثيل الذي يتكرر كل عام، لكن كرمهن وقلبهن الكبير وعطاؤهن وتسامحهن وغيره الكثير من صفاتهن النبيلة تطغى على كل ما يقترف بحقهن، فينسين الإهانة والمذلة ويكابرن على الجروح ويخفين أسرارهن وأوجاعهن في دواخلهن، ويغلِّبن العام على الخاص في سبيل الأسرة والأولاد والوسط المحيط بهن والمجتمع!

منذ الماضي السحيق تعاني النساء أشكالاً متعددة من التمييز والعنف والظلم والعبودية والتحرش والاغتصاب والانتقاص من الحرية والإنسانية، وكذلك من التشريعات والقوانين المتخلفة، وقد مضى أكثر من قرن ونصف على نضال المرأة عالمياً، عندما خرجت النساء العاملات إلى شوارع نيويورك وساحاتها احتجاجاً على ظروف العمل غير الإنسانية التي كن يجبرن على العمل فيها، كان ذلك في الثامن من آذار عام ،1857 ومنذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا مازال النضال مستمراً عالمياً وعربياً.

ولم يكن وضع المرأة في بلادنا أفضل حالاً، بل كانت تعاني الجهل والأمية والتخلف، وكانت تجبر على الزواج بابن عمها خاصة في الأرياف، أو برجل يكبرها، مقابل حفنة من المال يأخذها الأب، أو تُزوَّج صغيرة مقابل رشوة للأهل (ببيت أو سيارة)، ورغم ما حققته بعض النساء في نضالاتهن وتغير الأحوال إلى الأفضل قليلاً، إلا أنها مازالت مسلوبة من كثير من الحقوق وتحتاج إلى كثير من النضال، لأن هناك من يحاول إرجاعها إلى عصور الظلام، عصور السيد والجارية، وتقييدها بالعادات والاعراف والقوانين البالية، ويعيدها إلى الليلة الأولى (ليقطع رأس القط من يوم العرس).

المرأة في يومنا هذا ما يزال الغدر يتربص بها، وسيوف العالم الذكوري مشرعة عليها وتهددها بالطلاق أو بالضرة أو بالطرد من منزلها ورميها إلى الشارع، أو ردها إلى بيت أهلها في أحسن الأحوال، وهناك من يحاولون الاتجار بجسدها وإرغامها على ممارسة أعمال لا أخلاقية وابتزازها لكسب المال، وقد بات ذلك شائعاً في الآونة الأخيرة وقد ينتهي المطاف بها إلى القتل!

فهل نحمي المرأة ونصونها ونكون يومياً على مدار السنوات حلفاء حقيقيين لها، نشد من أزرها، ونقف إلى جانبها، ونتبنى قضاياها ونقدّر عطاءاتها وتضحياتها، ونفتخر ونعتز بنجاحاتها ونمسك بيدها لنكون شركاء لها ونمضي معها لتحقيق حقوقها؟

تحية للنساء السوريات الصامدات الصابرات في عيدهن، وكل آذار ونساء بلادي والعالم بألف خير!

العدد 1104 - 24/4/2024