حصيلتنا الاقتصادية في عام

خاص -“النور”:

يبدو المشهد الاقتصادي السوري مع رحيل عام 2018 ملبداً بالقضايا الشائكة والمتداخلة والمشاكل المزمنة، وأهم ما يتضمنه المشهد هو ما يلي:

استمرار انكماش الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بسنوات ما قبل الحرب، وسعر صرف الليرة السورية الذي وصل إلى حاجز ال 500 ل.س للدولار، وما نجم عنه من تدني القدرة الشرائية لدخل المواطن، ما جعل الغالبية العظمى من السوريين غير قادرين على تلبية احتياجاتهم الضرورية جداً.

لقد أصبحت معدلات الرواتب في نهاية عام 2018 لا تتجاوز ال75 دولاراً في الشهر، بعد أن كانت هذه المعدلات تصل إلى نحو 300 دولار قبل الأزمة، وبالتالي فإن انخفاض معدلات الرواتب وارتفاع نسب البطالة التي وصلت إلى حدود كبيرة جداً، يقدرها بعض الاقتصاديين بأكثر من 50% جعل نسبة الفقراء في سورية تزيد على 70% من عدد السكان بحسب كل التصنيفات الدولية لخط الفقر.

إن ما سبق يعد جزءاً من المشكلات الصعبة وليس كلها، وعلى الرغم من كل التصريحات والشعارات لمحاربة الفساد، مازال ينتشر بكل أشكاله وتصنيفاته في مفاصل الدولة ومؤسساتها، ويزداد تغلغله فيها، وإن ما تغفل عنه الحكومة هو أن محاربة الفساد لا تتحقق فقط بالتصريحات والأحاديث عنه، وإنما باتخاذ خطوات جذرية عديدة، ربما يكون أولاً سيادة القانون على الجميع من دون تمييز، ومن ثم زيادة رواتب الموظفين والعاملين بشكل حقيقي تمكنهم من تلبية احتياجاتهم الأساسية وليس كمياً، حتى لا يلتهمها التضخم، وتقليل الاحتكاك بين الموظف والمواطن طالب الخدمة، والاعتماد على الأتمتة والتقنيات الحديثة في تقديم الخدمات للمواطنين.

وتؤكد الدراسات أن تأثيرات الفساد السلبية لا تنحصر في الجوانب الأخلاقية والقانونية، بل تشمل بيئة الأعمال والقدرة على المنافسة ونجاح المشاريع وجدواها الاقتصادية، ومن البديهي أن الفساد الحكومي يعد السبب الرئيسي والمباشر لحرمان الخزينة العامة للدولة من نسبة كبيرة من إيراداتها الأساسية، وخصوصاً في العمل المالي والضريبي والجمركي، إذ يساعد الفساد على التهرب الضريبي، وعلى إدخال السلع برسوم جمركية قليلة أو تهريبها. وتحاول الجمارك مداهمة المحلات وتفتيشها وفتح منفذ آخر للرشا، بدلاً من ضبط الحدود. يبقى الفشل والتخبط الحكومي سيد الموقف، بين تصريحات نارية وتبريرات ووعود لا يمكن تنفيذها، لعدم وجود متطلبات التنفيذ، أو لافتقاد الإرادة الجدية لإيجاد الحلول الحقيقية والجذرية وليس الترقيعية.

ولا يمكن للناس فهم عدم قدرة الحكومة على حل المشاكل المزمنة إلا بنقص الكفاءة في مستويات الإدارة العليا، أو غياب الرؤية الاقتصادية الشاملة.. كما أن عدم شفافية الحكومة وعدم تقديمها الأجوبة الواضحة والمقنعة عن الأسئلة الكثيرة المتداولة، يفسر الشك في قرارات الحكومة، وهناك أمثلة كثيرة على ذلك، منها، كيف يستطيع المواطن العادي تفسير سماح الحكومة بتجميع السيارات بشكل وهمي لتجار معيّنين، وهذا يعني مساعدة الحكومة لبعض التجار بالالتفاف على قرار حظر استيراد السيارات، ويعني أيضاً تعاظم أرباح التجار الذين استفادوا من التجميع.

إن المشهد الاقتصادي في نهاية عام 2018 بدا ضبابياً، إذ يرصد المتابعون تحول الاقتصاد السوري إلى الخدمات والريعية مثل (الاتصالات والخدمات المالية والسياحة)، بدلاً من الإنتاج الزراعي الذي زادت كلفه بصورة كبيرة، وضعفت قدرته التسويقية والتنافسية، والصناعي أو ما يسمى الاقتصاد الحقيقي.

لقد أحبط الفساد إمكانية أي تحول إيجابي في الاقتصاد السوري، وإن الحديث عن إعادة الإعمار في ظل الفساد والفقر والفشل في تشجيع الإنتاج الوطني وحمايته ليس سوى مجرد أحلام لا غير.

العدد 1104 - 24/4/2024