مؤسسة الزواج… إلى انهيار !

إيناس ونوس:

كان الهدف الأول من الزواج هو الحفاظ على النسل البشري، ومع مرور الأيام ومعيشة الإنسان وسط مجتمعات منظمة تحوّل الزواج إلى مؤسسة اجتماعية تنظم العلاقة بين الشريكين مع بعضهما ومن ثم مع الأولاد والعائلة، وعلى هذا بات خاضعاً لجملة من الشروط والقواعد التي نظمتها سواء الشرائع الدينية أو الأعراف الاجتماعية.

لا تزال الضوابط والشروط التي وضعتها الأديان موجودة حتى يومنا هذا، إلاّ أن جملة القواعد الاجتماعية التي تسود في كل مرحلة زمنية، مرتبطة بالعرف المتوارث في كل منطقة أو بيئة هي ما يخضع للتغيير أو التعديل، ومن هنا يظهر الاختلاف في مظاهر وشروط الزواج بين منطقة وأخرى أو بيئة وأخرى.

والزواج كغيره من مقومات الحياة يتطلب ظروفاً ومقومات خاصة به، كتوافق الشريكين روحياً ونفسياً وجسدياً، وتأمين المسكن المناسب، ومستوى معيّن من المعيشة قادر أن يلبي حاجات الأسرة، والتي من المفترض أن تكون مؤمّنة ومتوافرة كشكل أساسٍ من بديهيات الحياة، إلاّ أن الزواج اليوم بات من أصعب المفاصل الحياتية للإنسان لعدة اعتبارات، أهمها:

وفقاً لبعض الأديان يُعتبر المهر شرطاً أساسياً من شروط عقد الزواج، وتُحدد قيمته وفقاً للعرف الاجتماعي، إلاّ أن النظرة الاجتماعية التي ربطت بين القيمة النقدية للمهر وقيمة ومكانة العروس جعله يتحوّل في كثير من الأحيان إلى شرطٍ تعجيزي، الشاب غير قادر على تأمينه، إضافة إلى اعتبار الفتيات أنه حق ترفض التنازل عنه وقناعتها أنه كلّما كان مهرها باهظ الثمن، حظيت بمكانة عالية عند شريكها وأهله، ليتحوّل الموضوع إلى ما يُشبه البازار في آلية العرض والطلب، حتى أصبح هذا الشرط أمراً مرهقاً للشّاب وأهله معاً، وأمسى فيما بعد عاملاً أساسياً من عوامل عزوف الكثير من الشباب عن الزواج.

عدم قدرة الشريكين على تأمين المسكن المناسب ومستوى المعيشة الذي يتمناه أيُّ شخص في ظلّ الوضع الاقتصادي الحالي وغلاء الأسعار، حتى لو كانا معاً من أصحاب الدخل، وانعدام التسهيلات التي على الدولة والحكومات تأمينها للمواطنين في مثل هذه الحالات، إضافةً إلى كثرة متطلبات الفتاة التي ترى في الزواج تحقيقاً لمصالح شخصية بعيدة كل البعد عن مفهوم التشاركية في الحياة.

تبني الكثير من جيل الشباب لفكرة فشل مؤسسة الزواج نتيجة تزايد حالات الطلاق مؤخراً وانتشار أفكار بديلة لممارسة العلاقة الجنسية بين الشريكين (ظاهرة المساكنة مثلاً) التي تُعفيهم من الكثير من المسؤوليات وتبعاتها.

غياب حسّ المسؤولية والاعتقاد بأن الزواج كغيره من أمور الحياة التي يمكننا الخوض فيها كتجربة ربما تنجح وربما تفشل ولا ضير في كلتا الحالتين.

هذا غيضٌ من فيض ما آل إليه حال مفهوم الزواج في مجتمعاتنا، وإذا ما استمرت الأمور على حالها فلن نُفاجأ بعد حين وقد انتفت المُسببات الأساسية لهذه المؤسسة، ممّا يؤدي لانهيارها بالكل، ما يوجب على المعنيين سواء من الناحية الاقتصادية العمل على تقديم التسهيلات للشباب من قروض وغيرها، أو من العاملين في الحقل الاجتماعي والتربوي على توعية الشباب والفتيات لأهمية هذه المؤسسة ومقوماتها وإعادة النظر في كثير من الأعراف الاجتماعية بغية النهوض باللبنة الأولى في المجتمع من أجل النهوض به ككل.

العدد 1104 - 24/4/2024