عام التّعافي…

ريم الحسين:

(عام التّعافي) هو المصطلح الذي أطلقه السّيد وزير النفط في مقابلته الأخيرة على الفضائية السّورية ضمن برنامج (قضايا البلد) مع السّيد وزير الكهرباء، لذي قال بأنها تسمية (الحكومة) لهذا العام.

لكن ما المقصود بكلمة (التّعافي)؟ هل هو ردم الفجوات التي سبّبتها الحرب فقط، أم النهوض بشكل كامل والتغيير الجذريّ الّذي ينتظره ويحلم به الشعب حتى من قبل الحرب؟

ولكيلا نبتعد كثيراً، كمثال ضمن مجريات الحوار السّابق ذكره، ذلك أن وظيفة الإعلام ليست تلميع الصورة، وإنما قبل التحدّث بالإنجازات، اكتشاف مكامن الخطأ وإعطاء الرّأي بآليّة تصحيحه أو على الأقل دون آراء أن يكون حيادياً في توصيف الثغرات، والهدف الأسمى هو النّهوض والتّرميم وليس المحاسبة.

هذا الّذي لم نعهده كما يجب في الإعلام الرسمي السوري الذي يحاول دائماً الظهور بمظهر المتلقي، وتحت ضغط الأزمات، وحتى لا يوصف بالمهترئ تماماً.

وبعد أن تصبح الأزمة في أوجها يقوم بواجبه ويستضيف المسؤول (المرئي) عن هذه الأزمات، وهنا شقّان أيضاً: الشّق الأول يتعلق بالإعلام، والثاني بالضيوف.

فيما يتعلق بالإعلام ضمن البرنامج عادة ما تكون الأسئلة نسخة مكررة ومعروفة، فليس على المواطن داع للمتابعة، دائماً النّظرة السّلبية المسبّقة موجودة، أسئلة روتينية وإجاباتها معروفة أيضاً، حتى يبدو لك اللّقاء كأنّه نسخة مكررة دائماً دون إضافات تُذكر. وهنا يظهر دور المسؤولين عن الموافقات ليعطوا هامشاً من الحرية للمعدّ والمقدّم وكادر العمل بالمجمل، عندئذٍ فقط يمكننا أن نقيّم أداء الاعلام بشكل عام، لا يهمّ المواطن ديكور الاستديو والإضاءة وملابس المذيعين.

والشّق الآخر الّذي يتعلّق بالضّيوف، ذلك أنّ النتيجة من الحوار ضمن الأسئلة والأجوبة يراها الناس لا تقدّم لهم أي قيمة مضافة على الإطلاق، وكمثال أيضاً ضمن المقابلة الأخيرة للسّادة وزراء النفط والكهرباء، أزمة حادّة تكاد تخنق المواطنين وصل صداها وألمها إلى كامل التراب السّوري، بدأ السّادة الوزراء بسرد التفاصيل والأحداث المعروفة ويأيّدونها بالأرقام ويتحدّثون عن الإنجازات والطموحات والخطط، ثم (الاختناقات) كما ذكرها السّيد وزير النفط وأسبابها،  ويرخون بظلالها على الأزمة بالدّرجة الأولى، ثم في آخر اللّقاء يختصرون كل الأزمة بأسباب ثلاثة هي: زيادة الطلب، وانقطاع التوريدات بسبب العقوبات على بعض الدّول الصّديقة  ويقصدون إيران الحليفة، وفصل الشّتاء، ويعدون بتحسّن الوضع قريباً ضمن خطة نظرية ستتطبّق عملياً في الأشهر القادمة، وأن مشاكل الأزمة غير المباشرة كالاحتكار وغيره سيتم ضبطها عن طريق (البطاقة الذكيّة) وهنا حبّذا لو يتم إعداد برامج لتوعية المواطنين بموضوع البطاقة الذكيّة: ما هي، وما فوائدها؟ وآلية استخدامها؟ ذلك أنك ترى أغلب المواطنين في ضياع حول هذا الموضوع، وهذا حديث آخر. ولكن السّؤال كان هنا لم التّأخير والبطء في اعتماد تطبيق هذه الآلية على جميع المشتقات النفطية أولاً وفي المناحي الأخرى لمعيشة المواطن ثانياً؟ على كل حال أفاد السّادة أنّها ستطبّق هذا العام في عدة مجالات وفي كل المحافظات.

كل ما ذكره السّادة الوزراء متداول بين الناس ومعلوم باستثناء الأرقام، لكنه يعلم سلفاً أن الإنتاج قبل الحرب ليس كما بعدها، ما يهمّ المواطن بالدرجة الأولى أكثر ليست الوعود، فهناك أزمة ثقة بالمطلق. ما يهمه فعلياً أن يحصل على ضروريات معيشته بأسرع وقت ممكن، ولا أسباب الأزمة المباشرة وإنّما ما يراه من احتكار للمواد لإعادة بيعها بسعر أعلى وتوزيع كميات كبيرة لجهات معينة بينما ينتظر هو ساعات طويلة وأياماً عديدة أحياناً دون الحصول على أيّ شيء. وهنا تجدر الإشارة إلى ما ذكره الوزراء عن وعي المواطن، وهذه مشكلة حقيقية لها عدة جوانب يترّكز أغلبها في الخوف وعدم الأمان، وهذا طبيعي، لكن من المسؤول حقّاً عن نشر الوعي الّذي سيستهلك الكثير من الوقت والجهد ربما تكون البطاقة الذكيّة هي الحلّ الوحيد والمختصر و(الإجباري).

إذاً فلتكن الحكومة عند وعدها هذا العام، ولنلمس التّعافي الحقيقيّ على الأرض بما يعود على البلد والمواطن بنتائج إيجابية وليس كلاماً على الشّاشة، التغيير من الإعلام وحتى الحلقات الأخرى إلى رغيف الخبز.

التّعافي عندما تبدأ خطط قصيرة وطويلة الأجل بوجود خبراء أصحاب انتماء يتمكّنون من رأب الصّدع الحاصل والبناء من جديد بتضافر جهود الجميع، التّعافي الحقيقيّ يبدأ بمكافحة الفساد وخلّق حالة من الثّقة بين المواطن ومسؤوليه وأن تترجم الخطط النظرية البرّاقة في ظاهرها إلى واقع ملموس.

ولايسعنا الآن إلا أن نترحم على شهداء القطاعين الذين ذكرهم السّادة الوزراء أثناء القيام بواجبهم وأن نتمنى الشفاء للجرحى، ثمّ ننتظر (التّعافي) الحقيقي هذا العام.

المجد للشّهداء، حماة الدّيار عليكم سلام.

العدد 1104 - 24/4/2024