انطباعات خاصة عن زيارة جمهورية الصين الشعبية

إسماعيل الحجو – عضو المكتب السياسي:

حظي وفد أحزاب الجمهورية العربية السورية المشارك في الدورة الثانية لمؤتمر الحوار بين الحزب الشيوعي الصيني وأحزاب الدول العربية بعدة لقاءات، كان أولها مع مسؤول لجنة الحزب الشيوعي الصيني لمدينة شنغهاي أكبر مدينة اقتصادية وصناعية في الصين، وتناول طعام العشاء على شرف الوفد الذي تخلله نقاشات مختلفة. وكان اللقاء الثاني الاستماع لمحاضرة للسيد تشانغ جيان وي (نائب مدير عام إعادة غرب آسيا وشمال إفريقيا بدائرة العلاقات الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني) بعنوان (عن الصين والحزب الشيوعي)، ولمدة ساعتين، تخلل المحاضرة بعض الاستفسارات. وكان اللقاء الثالث والأخير هو مقابلة معالي لي جون (نائب وزير دائرة العلاقات الخارجية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني) وحضر هذا اللقاء السفير السوري عماد مصطفى، وجرى تناول طعام الغداء على شرف الوفد. وتكون لدي انطباع أن مجمل الأحاديث والشروحات أثناء الزيارات الميدانية تتحدث بلغة واحدة ومكررة، ولا تدخل في تفاصيل القضايا الفكرية والسياسية وديدنها التجربة الصينية الخاصة. ويركزون على حلم الصين وغاية الحزب الشيوعي الصيني ورسالته هي الراية العظيمة للاشتراكية ذات الخصائص الصينية وإنجاز بناء مجتمع رغيد الحياة، المتمثل في النهضة العظيمة للأمة الصينية. ويتحدثون عن مكانة الماركسية كمرشد في المجال الإيديولوجي من خلال توطيد التضامن والوحدة إيديولوجياً لكل من الحزب والمجتمع بشكل أفضل. كما يركزون على تعميق الإصلاح والانفتاح على نحو شامل، ويضربون أمثلة عن الإنجازات خلال الخمس سنوات التي سبقت المؤتمر التاسع عشر، أي الإنجازات بين المؤتمرين الثامن عشر والتاسع عشر، ويؤكدون أن الناتج المحلي الاجتماعي زاد من 54 تريليون يوان إلى 80 تريليون يوان، وهذا يشكل 30% إسهاماً بالاقتصاد العالمي، ويفاخرون بشبكة الخطوط الحديدية فائقة السرعة (سرعة القطار 350 كم في الساعة). وكذلك بشبكة الطرق والجسور والموانئ والمطارات، إضافة إلى التحديث الزراعي، ويقارنون زيادة الإنتاج في وحدة المساحة مع الولايات المتحدة الأمريكية دائماً، كما يؤكدون المنجزات الملحوظة في بناء (الحزام والطريق الاقتصادي على طول طريق الحريق وطريق الحرير البحري للقرن الحادي والعشرين)، ويلخصون إنجازاتهم بأمثلة شعبية في محاولة لربط المفاهيم الفكرية والسياسية والحزبية بالثقافة الصينية الشعبية. مثلاً (جواد أصيل يركض بخطوات سريعة وثابتة)، و(ليس المهم لون القط أبيض أم أسود، المهم أنه يصطاد الفئران)، وغيرها من الأمثلة. كما أنهم لا ينفون مشكلة الفقر حسب معايير الأمم المتحدة، ويؤكدون أنهم استطاعوا تخليص أكثر من 60 مليون بصورة مستقرة من الفقر خلال الخمس سنوات المنصرمة، وبقي لديهم ما يقارب 49 مليون نسمة تحت خط الفقر، وأنهم أحدثوا ضمان اجتماعي (صحي) يغطي الحضر والريف وأنهم أكملوا نظام الحوكمة الاجتماعية، ويركزون كثيراً على بناء الحضارة الأيكولوجية أي التنمية الخضراء، ودائماً يرددون الجبل الأخضر والمياه العذبة أو الصافية، ويؤكدون أيضاً تقوية الجيش والاستراتيجية العسكرية والدفاع الوطني، ولديهم شعار (دولة واحدة ونظامان)، يقصدون به هونغ كونغ وماكاو وتايوان ومن أجل الاتحاد أطلقوا التنمية السلمية على جانبي مضيق تايوان من خلال التبادل الاقتصادي والثقافي، إضافة إلى كبح القوى الانفصالية، ولتحقيق ذلك بنوا مدينة رائعة بتجربة رائعة وعندما نجحت التجربة جربوها في شنغهاي ثم في هانغتشو وبعد النجاح بدأ تطبيقها في بكين العاصمة، وستعمم في عموم مدن الصين، ودائماً يؤكدون على (التجريب) وعند النجاح أكثر من مرة يتم التعميم أو التخلي في حال الفشل. ومن اللافت أنهم لا يقدمون على أي عمل دون دراسات، هم يسمونها تقارير مختلفة من مؤسسات وجهات مختلفة وتصب في هيئات الحزب الشيوعي الصيني لاتخاذ القرار. كما يمارسون ما يسمى الدبلوماسية الشاملة الاتجاهات والمتعددة المستويات وثلاثية الأبعاد، ويؤكدون أهمية التحلي بالواقعية والبراغماتية والتمسك بالمادية الديالكتيكية والمادية التاريخية، لما يسمى بالتكامل الخماسي (البناء الاقتصادي، والبناء السياسي، والبناء الثقافي، والبناء الاجتماعي، والبناء الحضاري الأيكولوجي). ويعتبر بينغ أن أفكار الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد هي وراثة وتطوير للماركسية اللينينية وأفكار ماوتسي تونغ ونظرية دنغ شياو بينغ وأفكار التمثيلات الثلاثة، وأن الماركسية في الصين في القرن الحادي والعشرين سوف تظهر حقيقتها قوة أكبر وأكثر إقناعاً، كما يؤكد بينغ وهذا ما أقره المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني أن جوهر الاشتراكية ذات الخصائص الصينية هي التمسك بقيادة الحزب لكل الأعمال، واعتبار الشعب محوراً، وتعميق الإصلاح والانفتاح على نحو شامل، وفكرة التنموية الجديدة، ويكون الشعب سيداً للدولة، وحكم الدولة وفقاً للقانون، ومنظومة القيم الجوهرية الاشتراكية، وضمان تحسين معيشة الشعب خلال التنمية، وبالتعايش المنسجم بين الإنسان والطبيعة، ومفهوم الأمن القومي بمعناه الشامل، وقيادة الحزب المطلقة للجيش الشعبي، ومبدأ (دولة واحدة ونظامان)، دفع عجلة بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، إدارة الحزب بانضباط صارم على نحو شامل. أما التوصيات على الصعيد الحزبي، فإنه يتوجب على إدارة الحزب، الانضباط الصارم، وإلغاء بحزم التسامح والتراخي والتواني في المحاسبة، وإحلال دستور الحزب وتقوية الوعي السياسي والوعي بالمصلحة العامة، وهناك توصية التشدد مع النفس تتمثل في ثلاثة مجالات، الصدق في ضرورة أن يتشدد الكادر القيادي مع النفس في التهذيب الذاتي واستخدام السلطة، وتنفيذ الانضباط، وأن يصدق في تخطيط الأمور وريادة الأعمال والسلوك. وأكد على دراسة دستور الحزب وروح خطابات الأمين العام شي جين بينغ، وممارسة التقشف والاقتصاد بصرامة، ومعالجة الشكلية والبيروقراطية ونزعة المتعة والبذخ والتبذير، والمثابرة على مكافحة الفساد. (ضرب النمور والذباب)، والمقصود كبار الفاسدين وصغارهم، وكذلك (صيد الثعالب، ويقصدون الهاربين في الخارج ومرتكبي جرائم اقتصادية، كما يؤكدون ضرورة الإحاطة ومحاصرة الجبال الثلاثة الكبيرة التي يرزح تحتها الشعب الصيني وهي الإمبريالية والإقطاعية والرأسمالية البيروقراطية، ويؤكدون دائماً في أحاديثهم أن الشوط الأخير هو الأصعب، وهذا يبين المهام الجسام أمام حزب تعداده خمسون مليون رفيق في بلد مساحته 6,9 ملايين كيلو متر مربع، وتعداد سكانه أكثر من مليار وثلاثمئة مليون نسمة، والفروق الواضحة بين المدن والأرياف.

 

العدد 1104 - 24/4/2024