الفساد.. مفخخات بانتظار تفكيكها

سنان علي ديب:

الصراع بين الخير والشر تاريخيّ، ولد مع وجود الإنسان وازداد بتفوق الغريزية على العقلانية، وبالتالي نشأ الانحراف المتزايد عن المعايير الأخلاقية المقوننة أو المتوارثة، وهذه الانحرافات تتواتر لتولد اخرى ككرة الثلج المتزايدة مع الوقت؛ ولكن خطورة هذه الانحرافات تزداد عندما تنظم وتقونن وتحمى بمختلف السبل والوسائل، فيصبح الفساد هو العنوان وهو السائد وأمراً واقعاً، ويغدو كالسرطان الذي ينهك الجسد ويسلب الروح وبانتظار إعلان الموت بعد الموت السريري. وللأسف، رغم عالمية ظاهرة الفساد إلا أن العمل المنظم لإفساد الدول النامية كان أحد أهم اهداف الاستعمار الجديد تحت غطاء وستار العولمة لتفريغ البلدان من ممانعتها ومقاومتها وإفقادها هويتها وتجذر مواطنيها لبث الفوضى وتدمير كامل للبنى وللحجر والبشر، وليكون مفعول الفساد أقوى من النووي. وتصبح معالجته والإحاطة به تستلزم العمل الجاد والعلاجات الصحيحة ضرورة وحاجة أساسية لتفريغ انعكاساته.

وهكذا لم يكن الفساد بحجمه الهائل وليد الظروف الطبيعية المحلية للبلدان، وإنما هو صناعة استراتيجية لمنظمات ومنظومات، منها ما أخذ شكل الديمقراطية والأنسنة وبأدوات ولائها وتبعيتها لصناعها وداعميها، ورغم اختلاف النظرة إليه بحسب العادات والتقاليد والتطور البنيوي للبلد، ولكن يبقى التعريف الأعم تجاوز القوانين والمنظومة القيمية والأخلاقية المسيطرة. وبذلك فإن موضوع الفساد موضوع إشكالي وكبير بمختلف أنواعه المالي والمادي والأخلاقي، وإن أي ظواهر فساد تتناسب طرداً مع التأزم الأخلاقي بالمجتمع وخاصة فيما مر على بلدنا، فالأزمة الأخلاقية ذات العلاقة المتعاكسة الطردية مع الفساد ظاهرة للعيان ورائحتها النتنة منتشرة في فضائنا، وما دمنا سلطنا الضوء وتكلمنا عن خطورة الفساد وشخصناه بكل أبعاده وأشكاله وأسبابه ومواطنه وطرق عولمته من دول المركز وتصديره لباقي الدول نذكر أنه حسب تقديرات أقرتها الحكومة أول الأزمة، كان حجم النهب والهدر قبل الأزمة ما بين 20 و40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي وقد قدرت بألف مليار، وكان الفساد أحد مدخلات الهجوم على بلدنا وتهشيم البنيان الصلب وجسر التحول البنيوي لقلب تركيبة المجتمع ما قبل الازمة والسياسات التي مورست بخروج علني وصريح عن النهج التنموي ومصطلح اقتصاد السوق الاجتماعي الذي تبناه المؤتمر العاشر فكان أهم مظاهره إباحة أو تسهيل الفساد بأنواعه أو مباركة تعيينات فاسدة عرفت أهدافها لاحقاً، وهو ما انعكس بشكل سلبي على مختلف نواحي التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وما أدى إلى هجرات مختلفة خارجية لكوادر وعقول مميزة وداخلية أحاطت بالمدن، وكانت ككومات القش التي قد تحترق بالنار بأي شرارة وصدر نخب غير عضوية مبرمجة أهدافها منبثقة عن شخوص بعيدة عن وطنية الولاء. المهمّ دخلت بلادنا بأزمة كشفت النوايا ما بين الداخلي والخارجي، وتحولت إلى حرب همّها إيصال البلد إلى الفشل والتعاطي بمشاريع مسبقة. وكان الفساد أحد أدوات الإرهاب الاقتصادي متزامناً مع الإرهاب العسكري وقد زاد الفساد أضعافاً مضاعفة.

الفساد عنوان واضح للفوضى وأداة من أدوات استمرار التأزيم، وبالتالي قوة القانون المنبثق عن الواقع أداة ستخفف منه وتحيط بآثاره.

باختصار تربينا وطمحنا وعملنا للمثالية الأفلاطونية، ولكن الغاية الوطنية وتراكمات الواقع تجعلك تبحث عن العلاج الأنسب والقادر على إعادة الصحة والعافية ليعود الجسم معافى وتعود إنتاجيته وعافيته.

الفساد قنابل ومفخخات يجب تقويضها وإنهاء مفعولها عبر حل وطني شامل.

العدد 1104 - 24/4/2024