إعـلان مبـادئ مـكافحة الفساد 

د. سلمان صبيحة:

إن الكلمة التوجيهية التي وجهها السيد الرئيس بشار الأسد للحكومة العتيدة بعد التعديل يوم الخميس 29/11/2018 أثناء ترؤسه اجتماعاً لها بكامل أعضائها كانت بمثابة إعلان مبادئ أو وضع خارطة طريق لمكافحة الفساد مبيناَ فيها أولويات العمل في المرحلة المقبلة ومحورها الأساسي هو مكافحة الفساد، وذلك كما يلي: أولاً_ يجب النظر إلى موضوع الفساد بمنظور شامل فهو لا يقتصر على استخدام السلطة من أجل تحقيق مصالح خاصة فقط، وإنما أي خلل في الدولة هو فساد، فهدر الأموال العامة وضرب المؤسسات وتراجع نوعية الخدمات المقدمة هي أوجه للفساد تؤدي إلى تعميم ثقافة الإحباط والفوضى وعدم الانضباط لدى المواطنين، ما يعني عملياً تفتيت المجتمع ولذلك يعتبر الكثيرون أن الفساد والإرهاب هما وجهان لعملة واحدة.

ثانياً_ محاسبة الشخص الفاسد أمر ضروري وأساسي ولكنها ليست بداية عملية مكافحة الفساد، وإنما الأهم هو الوقاية والردع مشدداً على أن الوقاية تبدأ من البنى والهيكليات والأنظمة والقوانين وكل ما يحكم عمل المؤسسات.

ثالثاً_ الجزء الأكبر من الفساد يأتي من الثغرات الموجودة في القوانين مشيراً إلى أن القاسم المشترك بين أغلبية القوانين هو وضع بنود استثنائية فيها ما يؤدي إلى الفساد مؤكداً أنه يجب على الوزارات جميعها العمل بشكل سريع للبحث عن كل الاستثناءات الموجودة في القوانين من أجل إلغائها تماماً.

رابعاً_ يجب على الوزراء جميعاً القيام بخطوات عاجلة تحقق نتائج سريعة يلمسها المواطن. واعتبر الرئيس الأسد في هذا الإطار أن ليس كل استثناء خطأ وإنما هناك حالات استثنائية في الكثير من القطاعات، وهي ضرورية من أجل حيوية وديناميكية القوانين، وبالتالي يجب استمرار العمل بها لكن مع وجود ضوابط تصدر بقرار من مجلس الوزراء، وعندما تظهر حالات استثنائية جديدة تعدل هذه الضوابط أو تعدل الحالات التي تصدر فيها الاستثناءات وعندما نقوم بهذا العمل يبقى الاستثناء ولكنه يكون حقاً لكل مواطن تنطبق عليه شروط هذا الاستثناء وعندها لا يكون هناك ظلم أو فساد وتتحقق العدالة.

خامساً_ يجب على الوزراء جميعا القيام بخطوات عاجلة تحقق نتائج سريعة يلمسها المواطن مؤكداً أنه لن تتم ملاحقة الشخص الفاسد فقط وإنما يجب ضرب البيئة الفاسدة بما يخفف من أولئك الموظفين أو المسؤولين الفاسدين، وعندها تصبح عملية المحاسبة والملاحقة أسهل وتصل إلى نتائج أفضل.

سادساً_ مكافحة الفساد تأتي أيضا عبر تبسيط وتسهيل المعاملات والإجراءات اليومية التي يحتاجها المواطن هذه الاجراءات التي تفتح الباب للفساد على نطاق ضيق ولكنه منتشر بشكل واسع ويؤثر بشكل مباشر على المواطن مشيراً إلى أهمية التوسع في مراكز خدمة المواطن. ووجه كل وزارة أن تبحث أين لها علاقة مباشرة مع المواطن وأن تقوم بعملية جرد لكل هذه المعاملات ومن ثم تقترح إجراءات لتسهيل هذه المعاملة وتضع حدوداً واضحة لواجبات وحقوق المواطن وللموظف الذي سيقوم بها أيضاً.  صحيح إن ظاهرة الفساد هي ظاهرة عالمية وقديمة قدم الزمان وتختلف نسبة الفساد من دولة إلى أخرى، وأحياناً يكون الفساد شاملاً أو محدوداً وممكن أن يقتصر على الفساد المالي أو الإداري أو الاقتصادي أو الأخلاقي، لكننا إذا نظرنا إلى المؤشر العالمي للفساد لعام 2017 في (180) دولة نجد أن غالبية الدول لم تحرز أي تقدم لإنهاء الفساد بشكل تام ، لكن هناك تقدماً بطيئاً في مكافحته… وقد اعتمد المؤشر إلى مقياس ( صفر-100) حيث يكون الصفر هو أعلى معدلات الفساد و100 هو انعدام وجود فساد على الإطلاق، وهذا لم يلاحظ في أي دولة في العالم، فالدولة الأولى التي جاءت في مقدمة القائمة والتي حققت أقل معدلات الفساد كانت نيوزيلاندا (89 درجة) وللأسف كانت سورية من بين الدول الخمسة الموجودة في آخر القائمة وهي:( الصومال- جنوب السودان- سورية- أفغانستان- اليمن) ما يعني أن هذه الدول تعد الأكثر فساداً في العالم . للعلم فإن مؤشر الفساد يعتمد في قياسه على بعض السلوكيات المرتبطة بالفساد كالرشوة واختلاس المال العام، واستغلال السلطة لمصالح شخصية، والمحسوبية في الخدمة المدنية، كما تقيس بعض البيانات والآليات الموضوعة لمكافحة الفساد، مثل آليات محاسبة المسؤولين الفاسدين وقدرة الحكومة على تطبيق آليات تعزز النزاهة، ووجود قوانين كافية حول الإفصاح المالي ومنع تضارب المصالح. ففي سورية وصل مؤشر الفساد إلى (14) درجة وإن صدق هذا المؤشر فهذا يعني أن الفساد أصبح مرضاً مزمناً وخطيراً في البلاد ووصل إلى حد لا يمكن تجاهله لدرجة أن جلسة مجلس الوزراء التي عقدت بتاريخ 29/7/،2018 خصصت لمناقشة هذه الظاهرة التي اعتبرها المجلس آفة خطيرة على المجتمع والاقتصاد والمال العام والخاص، حيث ناقش المجلس الآليات اللازمة لتعزيز مكافحة الفساد من خلال ما يلي:

1- تحديث القوانين والأنظمة والإجراءات الناظمة لعمل المؤسسات.

2- تطبيق مبدأ المحاسبة والمساءلة وإنزال أشد العقوبات بالفاسدين ومستغلي المال العام والمراكز الوظيفية وأن لا أحد فوق القانون.

3- العزم على اجتثاث الفاسدين ومن يدعمهم بشكل لا هوادة فيه وملاحقة كل الملفات المرتبطة بالفساد ومظاهره الإدارية والمالية والمخالفات وتهريب وسرقة الأموال العامة وتعطيل.

4- إن ما ناقشه مجلس الوزراء وما توصل إليه من آليات لمكافحة الفساد في حينه هو بلا شك هام جداً وكلمة السيد الرئيس بشار الأسد وضعت المبادئ الأساسية لمكافحته، والمطلوب فقط هو تنفيذ هذه التوجيهات والأفكار والمبادئ ووضع الآليات المناسبة التي تم نقاشها والعمل الجدي بها والبحث عن أسباب الفساد لاقتلاعه من جذوره وتجفيف منابعه وعدم التعامل فقط مع نتائجه. قد يكون من المفيد اتخاذ الإجراءات الإسعافية التالية:

1-زيادة الرواتب والأجور بما يلبي الحد الأدنى لمتطلبات الحياة المعيشية. 2-إعادة النظر بقانون العاملين الأساسي بالدولة وإيجاد قانون عمل عصري عادل ومتطور يعطي كل ذي حق حقه يولي العمال والموظفين كل الرعاية والاهتمام، ويضع الشخص المناسب في المكان المناسب.

3-نشر ثقافة أخلاقيات العمل والإخلاص له وتوطيد العلاقة والثقة بين الموظف والمدير.

4-العمل على تغيير العقليات والذهنيات المتحجرة ولاسيما النظرة للقطاع العام من أجل دعمه ليأخذ دوره الوطني الكبير المنوط به في دعم الاقتصاد السوري في هذه المرحلة من إعادة الإعمار.

5-إعطاء مرونة للإدارة والعاملين فيها لتطوير منشآتهم بما يحقق زيادة في الإنتاج والإنتاجية، ويحقق قيمة مضافة تنعكس في تحسين أجور العمال والموظفين وترفع من مستوى حياتهم المعيشية.

6-وضع آلية لتشجيع كل مبادرة أو اقتراح لتطوير العمل وتحسينه.

7-إيجاد صيغة أفضل لعمل الجهات الرقابية والوصائية على العمل والعمال مثل هيئة الرقابة الداخلية أو للهيئة المركزية للرقابة والتفتيش أو إعادة هيكلتها لتطوير عملها لتمارس دورها الوقائي لدرء الأخطار وتجنبها قبل وقوعها.

8-التركيز على مكافحة الفساد الكبير الذي ينهب الدولة والشعب معاُ، وتفكيك شبكات الفساد بضرب كبار الفاسدين ومحاسبتهم وعدم التركيز فقط على المرتشين الصغار.

إن وحش الفساد في سورية لن يخيفنا فهو وحش من ورق. فقط الموضوع يحتاج إلى بعض الوقت وإلى عمل مخلص ونوايا حقيقية في مكافحته وسنجد كيف أن هذا الفساد هو أهون من بيت العنكبوت. فسورية التي انتصرت على رأس الإرهاب والفساد العالمي ستنتصر على عملائهم وأذنابهم، الإرهابيين والفاسدين في الداخل.

العدد 1105 - 01/5/2024