المواطن بريء.. الحكومة في قفص التقصير!!

رمضان إبراهيم:

سنوات عجاف عصفت بجسد الدولة فأوهنت شرائح من السكان وأنزلتهم من أعلى درجات سلّم العز والرفاهية والاستقرار، وقوّت قلّة قليلة كانت تعيش على هامش الحياة والمجتمع ووجدت في الأزمة وسطاً مناسباً بممارسة كل ما من شأنه الطعن بالقانون والإنسانية.

سنوات عجاف والمواطن المسكين يقتات على المر والتشرد منتقلاً من ظل تصريح هنا إلى   ظل قرار هناك.

من تغيير في الأسماء والحجوم والألقاب هنا إلى   ما يقابل ذلك هناك دون أي تغيير يذكر.

لا أعلم لماذا يبقى المواطن مرتهناً لعشوائيات القرارات وعشوائيات التعيينات، ولا أعلم إلى   متى يبقى هذا المواطن المنهك مرتهناً لمزاجيات تعصف بثوابت الدولة وتكاد أن تقتلعها.

المواطن بريء الذمة تجاه الدولة، إذ لا يمكن له أن يحصل على أي حاجة من دوائرها قبل أن يدفع ما عليه من رسوم وضرائب وإشغالات وفواتير ماء وكهرباء وإنترنيت وهاتف وأرصفة ومسقفات ونظافة، وحتى التعاون والنشاط في المدارس وفي كل مرة يراجع دوائر الدولة عليه أن يثبت انه بريء الذمة!! لكن وعلى المقلب الآخر فالحكومة في قفص الاتهام بالتقصير إذ تضرب عرض الحائط بكل شروط الحياة الكريمة لهذا المواطن ولا تخجل ولا تستحي من أن تنزله في حفرة جديدة او نفق آخر كلما تمكن من الخروج من النفق والوقوف على قائمتين تعبتا من الركض اليومي خلف لقمة العيش البسيطة التي تبقيه فقط على قيد الحياة.

لن أتحدث عن الخراب وأنهار الدم والعبث في كل شيء إذ سأكتفي بالحديث عن بعض الحاجيات الاساسية للحياة ولنبدأ بالرغيف.

الرغيف الذي بات الشغل الشاغل للحكومة وللوزراء المعنيين وبالطبع دون أية تطورات تذكر على حاله، فما زال هذا الرغيف يعاني الرداءة والغش في الوزن ومازال العمال في الافران يعانون من اغتصاب تعبهم وعرقهم من قبل الجهات المعنية ومازالت كوات الأفران تضيق بطالبي الخبز. والشيء الوحيد الذي تغير هو طول الرتل أمام الأفران فمن المسؤول عن كل هذا!؟ أليست القرارات الحكومية التي خفضت الاعتمادات؟ وكان تبريرها أقبح من الذنب متضمناً محاربة عمليات التهريب وغير ذلك معتمدة على بعض الضبوط والحركات الاستعراضية ليس غير!!

وغير بعيد عن الخبز فواقع الكهرباء المتردي يدعو إلى الاستغراب اذ تتحكم المزاجية في تحديد الأحياء والمناطق وحتى الشوارع التي يتم قطع الكهرباء فيها، فهل من المنطقي أن يكون قطع ووصل التيار خلال ربع ساعة اربع مرات أو أكثر ما يتسبب بتلف وحرق عدد من الأجهزة الكهربائية، فيقف هذا المواطن عاجزاً عن إصلاحها أو استبدالها علماً أن الوزارة لا تخجل من فرض بنود على الفاتورة تعادل أحياناً قيمة الاستهلاك.

والشيء الذي يجعل الحكومة في قفص التقصير أيضاً هو تصاريح العديد من وزرائها ونوابهم وأحياناً المكاتب الصحفية تلك التصاريح المتناقضة والمرتبكة في كثير من الأحيان.

وما دمنا نتحدث عن الكهرباء فلا بد لنا من الحديث عن خدمات الإنترنيت التي أجزم أنها لا تلبي حاجات الدوائر ذات الصلة لتأمين خدمات المواطن فانقطاع الشبكة بات أمراً يخشاه المواطن كلما قصد دائرة من دوائر الدولة لأبسط الخدمات.

واقع النقل من المحافظات وإليها وحتى ضمن المحافظة الواحدة مع المناطق أو حتى إلى القرى التابعة لتلك المناطق مازال سيئا للغاية، فالهواء يدخل إلى تلك المركبات المتهالكة من كل النوافذ وحتى من الباب فضلاً عن المياه سواء المتجمعة في الشوارع على شكل حفر وبرك أو المتساقطة من السماء تبلل ثياب هذا المواطن المبلل بالجوع والتعب والخوف.

وقبل أن أنسى أزمة الغاز التي تتكرر باستمرار كلما داهمنا الشتاء، إذ يعمد المعتمد إلى احتكار المادة وبيعها بأسعار مضاعفة دون أي رادع أخلاقي أو قانوني ودون أي تصريح بأسباب الاختناقات، ولا أعلم لماذا لم يتم تشميل مادة الغاز بالبطاقة الذكية كما جرى بالنسبة لمادة المازوت والبنزين.

لن أستمر في تعداد نقاط التقصير لهذه الحكومة ولن أتحدث عن محاربتها للفلاح في الساحل كل عام مع بداية جني محصول الحمضيات والمتمثل باستيراد الموز بشكل لافت مع تدني أسعاره إلى حد يصبح معه منافساً قوياً لأسعار الحمضيات ناهيك عن عجز الحكومة عن استجرار كامل المحصول أو أجزاء معقولة منه دون أن ننسى أيضاً ما يشابه ذلك التقصير بالنسبة للتفاح.

المواطن بريء ويمكنه الحصول على كتاب براءته من كل الدوائر ولكن هل تستطيع الحكومة الحصول على كتاب براءتها من بطون مواطنيها الجائعة!؟

العدد 1104 - 24/4/2024