حول عملية (درع الشمال)

د. صياح عزام:

أطلقت إسرائيل مؤخراً ما أسمته عملية (درع الشمال) لتدمير أنفاق مزعومة لحزب الله على حدود كيانها مع لبنان، وقد طرحت هذه العملية أسئلة أكثر مما قدمته من إجابات عن السبب أو الأسباب الحقيقية التي دفعت إلى تنفيذ هذه العملية بالشكل الذي تنفّذ فيه وفي هذا التوقيت بالذات.

جدير بالذكر هنا أن كيان الاحتلال يتحدث منذ عام 2014 عما أسماه قلق سكان المستوطنات المجاورة لحدوده مع لبنان من سماع أصوات عمليات حفر قريبة منهم، لكن القيادات العسكرية والسياسية، كانت تبلغهم دائماً أنه ليس هناك تهديدات فعلية ملموسة.

بطبيعة الحال لا يمكن لعاقل أن يصدق إن إسرائيل بإمكاناتها التقنية العالية ووسائل التكنولوجيا المتطورة التي تملكها لا تعلم بوجود مثل هذه الأنفاق ومحاولات جعلها عابرة للحدود، في ظل تصريحات صادرة عن المقاومة اللبنانية أحياناً عن نقل المعركة إلى الجانب الإسرائيلي، فيما لو شنت إسرائيل أي حرب جديدة على لبنان.

إذاً، لماذا الإعلان عن هذا الأمر في هذا التوقيت بالذات وتصويره على أنه مفاجئ لإسرائيل، وبالتالي قام جيش الاحتلال بحشد المعدات والآليات العسكرية في سياق عملية حددت أهدافها مسبقاً، وهي اكتشاف وتدمير الأنفاق المزعومة من دون الذهاب إلى الجانب اللبناني من الحدود؟ ومنذ متى كانت إسرائيل التي تلاحق قوات حزب الله وإيران داخل سورية تجعل عملياتها العسكرية العدوانية مقتصرة على الجانب الحدودي الذي تسيطر عليه؟

في سياق الإجابة عن هذه التساؤلات يمكن تسجيل بعض النقاط المهمة والملاحظات التي لا يمكن القفز من فوقها حول عملية (درع الشمال)، ومنها:

– إن عملية (درع الشمال)، كما أسماها قادة كيان الاحتلال الإسرائيلي، جاءت بعد ساعات من اللقاء الذي حصل بين بومبيو (وزير الخارجية الأمريكية) ونتنياهو (رئيس وزراء الكيان الصهيوني) في بروكسل ببلجيكا، لبحث العملية والحصول على دعم واشنطن وتأييدها، لاسيما إذا ما تطور الأمر إلى حرب شاملة، هذا أولاً، والأمر الثاني أن نتنياهو سعى ويسعى إلى التهويل والتضخيم في مسألة الأنفاق المزعومة، للهروب من فضائح الفساد التي تطوقه ومن توصيات شرطة الاحتلال بتقديمه للمحاكمة، وهذا ما قالت به المعارضة الإسرائيلية نفسها في تفسيرها لهذه العملية، أما الأمر الثالث أو الهدف الثالث لنتنياهو فهو الهروب من الانتقادات التي يوجهها سكان المستوطنات في الجنوب على حدود قطاع غزة، بسبب فشل العملية العسكرية الأخيرة هناك، والهدف الرابع هو محاولة نتنياهو التغطية على الخلافات التي تعصف بائتلافه الحكومي، واحتمالات الذهاب إلى انتخابات مبكرة، بمعنى أن نتنياهو يسعى إلى تصدير أزماته الداخلية إلى الخارج من خلال إعطاء الأولوية لما يسميه أمن الكيان الإسرائيلي.

ولكن إلى جانب الأمور والأهداف السابقة التي تتعلق بهذه العملية المسماة (درع الشمال)، ثمة وجه آخر للعملية وهو أن إسرائيل أصبحت حركتها في الأجواء السورية مقيدة ومحدودة، وذلك بعد جريمة إسقاط الطائرة الروسية من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، وإدخال منظومة الصواريخ من طراز (إس 300) إلى سورية، وأيضاً بعد فشل الجهود الإسرائيلية التي وصلت إلى حد (الاستجداء) لاستعادة التنسيق الأمني مع الجيش الروسي كما كان الأمر من قبل، يضاف إلى ذلك فشل العدوان الإسرائيلي على جنوب دمشق في 29/11/2018، إذ جاء القصف من خارج الأجواء السورية، وبالتالي أصبحت إسرائيل تتحدث عن ما تسميه انتقال النشاط الإيراني المزعوم إلى لبنان، وانتقال المواجهات إلى هناك.

باختصار، إن اقتصار عملية (درع الشمال) على الجانب الإسرائيلي يشير قبل كل شيء إلى تراجع قدرة الردع لدى جيش الاحتلال، وعجزه عن تنفيذ تهديدات الشمال أسوة بما حدث في الجنوب، إلا أن كل ذلك لا يمنع كيان الاحتلال الصهيوني من الدخول في حرب جديدة رغم كل ما يترتب على ذلك من نتائج كارثية.

العدد 1105 - 01/5/2024