(التطبيع ومقاربات في المسألة الفلسطينية) .. كتاب المناضل هادي دانيال

بولس سركو:

إضافة جديدة إلى عشرات الكتب الشعرية والنقدية، كتاب (التطبيع ومقاربات في المسألة الفلسطينية) هو الثامن من سلسلة الكتب السياسية للمناضل السوري هادي دانيال مواليد اللاذقية 1956 المقيم في تونس قادماً من بيروت عام 1982 مع منظمة التحرير الفلسطينية، والكتاب صادر عن دار ديار للنشر في تونس 2008 في ظرف تاريخي يتكالب فيه النظام الرسمي العربي، على الانتقال بالتطبيع من السرية إلى العلن.

يغطي الكتاب المسألة الفلسطينية تاريخياً من جذورها العميقة مؤكداً في المقدمة أنها في أصلها ومسارها نشأت من أطماع الغرب الاستعماري الاقتصادية والسياسية، والغرب ذاته هو الذي خلع على أطراف الصراع فيها أقنعة دينية، ويستعرض من خلال تطور المسألة وصولاً إلى ما نشهده من تطبيع اليوم مقاربات لمفاصل تاريخية هامة في الصراع من فكرة اللورد (بالمرستون) بتنصير يهود أوربا وإرسالهم إلى فلسطين، إلى (القاعدة) و(داعش) صنيعة المخابرات الأمريكية بعد قرن من ذلك لإقامة الشرق الأوسط الجديد بالفوضى، كدويلات طائفية فاشلة تدور في فلك دولة إسرائيل اليهودية الكبرى، مؤكداً أن (المستنقعات التطبيعية التي حركها (الربيع العربي) فاض عنها ضفادعها السامة بنقيق يصوغ خطاب الكراهية ضد الفلسطينيين (كما أكد أن الإخوان المسلمين والحركات التبشيرية التنصيرية وبعض جمعيات المجتمع المدني والحركات العرقية الانفصالية ورموز التطبيع الأكاديمي والثقافي جميعها أوجه لعملة واحدة طرحها مصرف المشروع الصهيوني التطبيعي للتداول).

يضم الكتاب مجموعة من المقالات: ( فلسطين والقدس والنظام العربي الرسمي من الملك عبد الله الأول إلى الملك عبد الله الثاني) هي بالأصل محاضرة ألقاها الكاتب في ندوة خاصة بيوم فلسطين بمدينة سوسة التونسية، فضح الخدعة البريطانية التي شارك فيها الملك عبد الله الأول وجرى بموجبها تهجير الفلسطينيين من بيوتهم بطلب من جيش الإنقاذ العربي، على أمل أن يعيدهم إليها فور دحره للعصابات الصهيونية. وقال ( وبقي الفلسطينيون الذين لجؤوا إلى لبنان والأردن وسورية حيث هم في مخيماتهم مجردين من وطنهم ومن أبسط حقوق الإنسان باستثناء تمتعهم في سورية بحقوق المواطن السوري المدنية). وعرض للمؤامرات التي لاحق النظام العربي الرسمي بها اللاجئين الفلسطينيين الذين رحِّلوا ثانية من الأردن إلى لبنان بعد مجزرة أيلول الأسود، ثم من لبنان إلى تونس بتواطؤ رسمي عربي دولي، ثم محاولات السلام التي كانت تعطلها إسرائيل لتصفية القضية وإلغاء حق عودة اللاجئين، ثم القرار باغتيال الرئيس عرفات بعد رفضه التنازل عن ذلك الحق وعن القدس عاصمة الدولة الفلسطينية. وقال: (لم يدخر النظام الرسمي العربي جهداً كعادته لترك الفلسطينيين يواجهون الضغوط الإسرائيلية الحادة بمفردهم). ويتابع الكاتب مراحل تطور القضية ليصل إلى مؤامرة الربيع العربي التي كان الهدف الصهيوني منها تدمير جيوش مصر وسورية والعراق والجزائر التي تشكل خطراً راهناً أو قادماً على أمن إسرائيل، وتدمير مخيمات اللاجئين وتشتيتهم في العالم لأن هذه المخيمات هي خزان الثورة الفلسطينية والرافعة النضالية الشاخصة المطالبة بحق العودة، وحين أفشل صمود الجيش العربي السوري وحلفائه اكتمال هذه المؤامرة، حاول المشرع الصهيوني الالتفاف على إنجازات محور المقاومة باستئناف تحقيق أهدافه مع النظام العربي الرسمي، لإقامة علاقات كاملة وشاملة وطبيعية يتحول العدو بموجبها إلى حليف لمواجهة إيران التي ارتكبت ذنب دعم قوى مقاومة الاحتلال الصهيوني.

حول التطبيع أقام المؤلف في مقالته (عرض الصهيوني بوجناح في متحف قرطاج، وجوقة الأكاديميين التطبيعيين، ومشجب حرية التعبير) المنشورة في صحيفة (أون لاين) الإلكترونية التونسية 2017 مقاربة بين بعض (تقنيي المعرفة) من الأكاديميين التونسيين الذين زاروا جامعات إسرائيل في وقت كانت تقاطعها جامعات تشيلي وجنوب إفريقيا وغيرها، وفوق ذلك أصدروا بياناً ضد بيان الاتحاد العام التونسي للشغل الذي دعا لإلغاء عرض الفكاهي الفرنسي من أصل يهودي تونسي (ميشيل بوجناح) المعروف بمساندته لجيش الاحتلال الإسرائيلي في تونس، بينما كان الراحل (جورج عدة ) وهو أيضا من أصل يهودي من أبرز مناضلي الاتحاد العام التونسي للشغل اليساريين ، صاحب رؤية استراتيجية ضد الصهيونية وكيانها اسرائيل لا تقل جذرية عن مواقف الزعيم اليساري الفلسطيني الراحل (جورج حبش)، وأكد الكاتب في المقال أن (داعش) و(إسرائيل) قامتا على فكر ديني تكفيري متطرف وأرستا أسس (دولتيهما) بالجرائم الإرهابية، فضلاً عن كونهما خرجتا من مختبرات الدوائر الصهيو-غربية وزرعتا في منطقة الشرق الأوسط.

(سباق رسمي عربي نحو التطبيع) عنوان مقال آخر يتناول خفايا وأبعاد التطبيع العربي مع إسرائيل مشيراً إلى الهدف الحقيقي من تفتيت العلاقات العربية – العربية وهو إقامة علاقات عربية متميزة وخاصة مع إسرائيل فقط ولصالحها دائماً، وإلى طلب (حسني مبارك) من مسؤولين عرب أن يضغطوا على سورية كي تتخذ تدابير سياسية لاستئناف العملية السلمية مع إسرائيل، وقال: (هكذا صار المعتدى عليه والمحتلة أرضه متهَماً ومطالباً بتدابير تثبت جديته وحسن نيته، كأن يتخلى عن حقوقه الوطنية ويشن حربا ضد المقاومة).

أما في مقالته (التطبيع مع إسرائيل خطوة مازوشية على طريق تدمير الذات) فيقول: (الإدارات الأمريكية التي تمكنت ترهيباً وترغيباً من جعل جل الحكام العرب مطبعين أو متواطئين مع أشكال التطبيع فإنها تراهن على أن يبذل الحكام بأمرها جهودهم ويستخدموا صلاحياتهم كافة لإجبار محكوميهم على الانخراط في التطبيع أو الكف عن مقاومته). ويطرح سؤالاً هاماً على الحاكم العربي: أمن إسرائيل أولاً أم أمن العرب؟ ويفترض أن تكون الإجابة المنتظرة: أمن العرب أولاً، مما يدفع لسؤال أهم حول الاندفاع الرسمي التطبيعي صوب إسرائيل؟

في مقالته المنشورة في صحيفة (الصريح) التونسية اليومية، 2009 (حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة خطر على السلام في المنطقة والعالم)، يشير في المقدمة إلى أن حكومة يستأثر فيها حزب (إسرائيل بيتنا) بقيادة (أفيغدور ليبرمان) بآرائه المتشددة المتطرفة العنصرية على وزارات الخارجية والهجرة والأمن الداخلي والبنى التحتية والسياحة لا يمكن لعاقل أن ينتظر منها تحركاً نحو إرساء السلام في المنطقة أو الاستجابة لتحرك عربي أو إقليمي أو دولي في هذا الاتجاه. ويخلص في النهاية إلى مطالبة العالم بالتصرف وفق حقيقة تاريخية مؤكدة هي أن الاستقرار والأمن والازدهار لن يسود إلا بإيجاد حل عادل وشامل ودائم للقضية الفلسطينية وهو ما سيظل متعذراً مع افتقاد شريك للفلسطينيين والسوريين وغيرهم من العرب في الجانب الإسرائيلي.

المادة الأخيرة في الكتاب المؤلف من 208 صفحات من القطع المتوسط هي حوار أجرته مع الكاتب الدكتورة الباحثة سعدية بن سالم من الجامعة التونسية، تحدث فيه عن بداية انخراطه في العمل السياسي في السابعة عشرة من عمره، إذ التحق بأحد فصائل الثورة الفلسطينية اليسارية انسجاماً مع نزوع يساري كونه ابن عامل نسيج قرأ مبكراً مكسيم غوركي وانضم إلى صفوف الحزب الشيوعي السوري.

يؤكد كتاب المناضل هادي دانيال نتيجة أساسية هي أن نظام التبعية الرسمي العربي ومنذ تشكل المأساة الفلسطينية كان وما يزال جزءاً من المشروع الصهيوني في المنطقة وقد ظهر ذلك بلا أي تحفظ أو تمويه في موقف هذا النظام من العدوان على سورية وشراكته الكاملة فيه بهدف إزالة الدولة السورية من الخارطة الجغراسياسية لأنها تقف عقبة كأداء أمام المشروع الصهيوني.

 

العدد 1102 - 03/4/2024