الفساد ليس بالمسؤول فقط.. بل بالنظام المؤسساتي

سليمان أمين:

بعد سنوات من عاصفة الحرب الإرهابية وصواعق القرارات الحكومية غير المدروسة التي جعلت من الفقر سيداً يحكم معيشة أغلب الشعب، حان الوقت ليتساءل كل مواطن منا متى يصبح التغيير واقعاً لصالح الوطن والمواطن؟ ولا نقصد هنا تغيير الأشخاص بل تغيير المنهج المؤسساتي والإداري في كل مؤسسة حكومية وإعادة هيكلية وتنظيم بيتها الداخلي من مديريات وموظفين وفق نظم إدارية حديثة وبيئة خلاقة للمنافسة والعمل بجدية وحب مع فتح باب المكافآت والحوافز لمن يثبت جدارته في الخلق والإبداع، فكل مؤسسة لها نظامها  وقوانينها الخاصة التي تقوم عليها وتديرها، فنحن منذ سنوات ليست بالقليلة لم نرى حال واقعنا يحمل أي مؤشرات مبشرة بأن التغيير سيكون كاملاً سواءً في المسؤولين أو في عملية الإصلاح التي أكد عليها رئيس الجمهورية الدكتور بشار الأسد في خطاباته العديدة وفي توجيهاته المستمرة والدائمة للحكومة والمسؤولين. فقد أعاد تأكيده مرة أخرى خلال اجتماعه بالحكومة في 29/11/2018 بعد التعديل الوزاري الذي أحدثه أواخر الشهر الماضي، مؤكداً  تصحيح الأسس الإدارية والقوانين بقوله (محاسبة الشخص الفاسد أمر ضروري وأساسي ولكنها ليست بداية عملية مكافحة الفساد، وإنما الأهم هو الوقاية والردع اللذان يبدأان من البنى والهيكليات والأنظمة والقوانين وكل ما يحكم عمل المؤسسات(.

العمل وفق النظم الإدارية العملية والقوانين الواضحة والصريحة، التي لا تحمل أكثر من وجه أو ثغرات يمكن استغلالها من قبل المسؤول أو الموظف، هي الخطوة الأولى لتصحيح الأخطاء الماضية والبدء بمكافحة الفساد المتجذر في المؤسسات الحكومية وغيرها، كما أن إعادة التغيير في الهيكلية الداخلية للوزارات والمؤسسات بوضع مديري مكاتب جدد ومختصين ضمن قانون التعيين الوظيفي لرؤساء المكاتب، يعمل على إنعاش المؤسسة وتطويرها وفق الإحداثيات الجديدة، سواء بوضع خطط إدارية وعملية أو بطرح مشاريع جديدة وفق دراسات قابلة للنقاش والتطبيق، فمؤسساتنا فيها الكثير من الخبرات و الأدمغة والمختصين المهملين خلف الكواليس والمعتم عليهم بحكم أشخاص ذوي نفوذ وواسطة قوية، وقد لاحظنا في السنوات الماضية إقصاء الكثير من المختصين والخبرات في المؤسسات الحكومية بتهم زائفة أو غير منطقية، ووفق مصادرنا هناك قضايا مرفوعة ضمن القضاء الإداري التابع لمجلس الوزراء من قبل بعض المختصين بسبب إقصائهم بطرق سيئة وبدون أسباب مقنعة. وبالعودة إلى نظام التعيين الوظيفي فلدينا في كل وزارة قانون تعيين وظيفي واضح للاختصاص المطلوب لكل مكتب أو مديرية، وإذا نظرنا إلى الواقع لوجدنا أن هذا القانون مهمش وغير معمول به، وقد نشرنا مقالاً في صحيفة النور في العدد (691) بعنوان (ملف الملفات القانونية والإدارية في وزارة الثقافة السورية!) وقد أشرنا فيه إلى التعيينات المخالفة لقانون الوزارة، وينطبق ذلك أيضاً على تعيينات باقي الوزارات والمؤسسات. وقد وقعت وزارة التربية السورية خلال السنوات الماضية بخطأ التعيين الوظيفي، عندما أهملت المختصين التربويين وحرمتهم من أداء واجبهم في تطوير العمل التربوي والمنهجي للوزارة ومناهجها وطرائق التعليم الحديثة، والذي انعكس بشكل سلبي وواضح على العملية التربوية، التي باتت اليوم بأسوأ حالاتها نتيجة أخطاء تراكمية وغياب المعايير في المناهج المدرسية وفي نظام التعليم المدرسي، وكذلك الحال بالنسبة لوزارة الإدارة المحلية التي تعتبر من الوزارات الخدمية المهمة جداً، فيكفينا تقييم واقع الشوارع والأرصفة والمنظمات التخطيطية للمدن والقرى السورية، لنرى الخلل والأخطاء الفادحة والكبيرة التي لا يمكن تجاهلها.

 

ختاماً على الهامش

الدور الأكبر يقع اليوم على عاتق الحكومة، بمنح الإعلام دوره الحقيقي والفاعل في المجتمع ، ومتابعة ما يكتب وما يذاع ويعرض من قبل الحكومة،،إضافة إلى منح الصحفي دوره الحقيقي في التحقيق بشتى المواضيع،،حتى اليوم الصحفي لا يمكنه مقابلة مدير ما أو حتى رئيس بلدية بسبب حجج جاهزة من قبلهم. كذلك هناك الكثير من القضايا المهمة التي طرحتها وتطرحها الصحافة السورية ولم يتم التحقيق بها ومعالجتها .

كما على الوزارات الخدمية والمجتمعية أن تعيد النظر بالأخطاء الماضية وبالتعيينات في مديرياتها وأقسامها وخصوصاً قطاعي التربية والتعليم بالإضافة للثقافة والإدارة المحلية.

الوطن مسؤوليتنا جميعاً، والتغيير ليس بتغيير الأشخاص، والمسؤولية ليست مسؤولية وزير بل مسؤولية من يتحكمون بمؤسساتنا ويعينون ما يحلوا لهم بالتهديد والوعيد ، فعلى على كل وزير أن يراجع بيت وزارته ومؤسساته،،فلديه من الصلاحيات التي منحها له السيد الرئيس والدستور ما يكفي لمعالجة الخلل.

العدد 1104 - 24/4/2024