الهوية الاقتصادية.. حاجة أم تنظيـر؟

د.سنان علي ديب:

لكل ظرف اقتصادي واجتماعي نهج اقتصادي معين. وقد يماهي برامج كاملة كانت موضع صراع امتد لعقود بين من يناضل للاشتراكية وصولا إلى العولمة الأممية، ومن اتخذ الربح والرأسمالية مساراً ولو على حساب الإنسانية، هذا الصراع الذي امتد لعقود قولب الخيارات عكس واقع أغلب البلدان وخصوصيتها، فالواقع يجعلك تختار طرقاً أخرى، وهي الخيار الذي غالباً يكون الأجدى والأكثر نفعية تنموية. فهناك دول سارت بنهج اقتصاد السوق الاجتماعي سواء في حالة الخروج من القتل والدمار كألمانيا بعد الحرب العالمية، أو الصين في انطلاقتها الاقتصادية لمواكبة العالمية والتصدر الاقتصادي العالمي. وفي ظل الأزمات وحسب مراحل تناميها وتوسعها وانتشار منعكساتها السلبية التدميرية، تتنوع وتختلف السياسات، وغالباً في الأزمات المعقدة لا يبقى المفعول الاقتصادي أو الشرعي أو القانوني هو الأوحد، فالحاجة ومحدودية الموارد الناتج عن الإرهاب والتدمير الاقتصادي، أو الإرهاب العالمي عبر الحصار أو العقوبات الجائرة تجعل الإدارات ضيقة وتختار العلاجات المتناسبة، وتتحكم بأغلب السياسات من أجل خدمة الهدف العام المتمثل في الحفاظ على تماسك الجغرافيا ووحدتها، والتأثير على الطلب بتأثير تضخمي، وكذلك التغاضي عن بعض الخروقات الاقتصادية وعبر تأجيل المحاسبات، وعبر البرغماتية المطلقة، وبالتالي احتواء الأزمة والإحاطة بها للانطلاقة الجديدة. فتكون السياسات حزماً متكاملة ومتغيرة حسب الحالة والحاجة وسوية التعافي، وفي ظروف كهذه تختفي الإيديولوجيا ليكون النهج سياسات تأخذ معايير المناهج الاقتصادية كلها، فالإيديولوجيات عديمة المرونة والعملية الاقتصادية أرقام وحقائق جامدة والإيديولوجيا رغبة وطموح، وفي ظروف كهذه تكون العلاجات الآنية هي المخدر والعلاج.

قبل الأزمة بعقد تكونت مدخرات ورساميل وبنى تحتية لم نستطع استثمارها بشكل صحيح، ولم تستطع البنى التشريعية ان تواكب الحالة. مؤشرات تنموية بشتى المجالات متقدمة ومتفوقة لم تأخذ بالسياسات التي فرضت او راوغ البعض لتمريرها مماهاة للمؤسسات الدولية، والهدف الذي ما زال قائماً هو إضعاف المؤسسات وسيطرة أموال فاقدة الهوية على المؤسسات التي بتماسكها وبدماء الشهداء وآلام الجرحى وتضامن الشعب والمؤسسة العسكرية فشل مشروع تحويل البلد إلى بلد فاشل مهزوم، وفشلت الأساليب العسكرية والاقتصادية الإرهابية. ولم تكن مقترحات المؤتمر العاشر خاطئة باقتصاد السوق الاجتماعي ولكن التنفيذ حوله للسوء وأضعف البنى، ورغم ذلك الإدارة العقلانية الذكية قوضت المشاريع، وجاء الوقت للبناء وإعادة الإعمار، الذي سيكون وفق أولويات وحاجات، وسورية تملك كل المقومات والإمكانات المادية والبشرية للسير به من اموال وطنية. فوائض حكومية وقطاع عام يجب إصلاحه وأموال خاصة محلية ومهاجرة يجب إعادتها عبر تحفيزات وبيئة تشريعية، ودول لا يمكن أن تسلبنا القرار والسيادة.

البرغماتية ضرورية و الأهم السيادة و البعد عن فخاخ البنك الدولي ومؤسسة النقد الدولي.. والانطلاق من فكرة تسخير كل الإمكانات للعودة القوية وتقوية دور المؤسسات وتوسيع المشاركة بضرب الاحتكار ولا احد فوق مصلحة البلد. الأهم تحسين مستوى معيشة المواطنين وتخفيف آلامهم في هذه الظروف، فالوطن هو الأهم ومن لم يضحِّ بدمه فعليه واجب التبرع للتخفيف من آلام الآخرين ودموعهم.

العدد 1104 - 24/4/2024