يقصدونها مرغمين

كثير من الألبسة المستعملة يمكن أن تراها على البسطات في الشوارع أو في المحلات الكبيرة المخصصة لبيع مثل هذه الملابس، من قمصان رجالية أو نسائية، إلى كنزات ومعاطف ومناشف وسترات شتوية وسراويل جينز أو مخمل، إضافة إلى الشراشف والستائر المنزلية: تشكيلات كبيرة من الألبسة المستعملة التي يوجد بينها قاسم مشترك هو التجهيز للموسم الشتوي المقبل، وتنتابك الدهشة وأنت تدخل أبواب هذه المحلات فتشاهد كل ما راق وتميز من الألبسة بألوانها الداكنة والمشرقة، وتخرج في نهاية الجولة فتصطدم بالبسطات الممتدة على امتداد شوارع العاصمة وأحيائها، وهي تعرض ألبسة أقل جودة مما تعرضه تلك المحلات.

وعلى تلك البسطات الصغيرة يمكن رؤية تزاحم الناس، وكأنك في حفلات شعبية، إنهم يتزاحمون لاقتناء ما يلزمهم من اللباس الشتوي (الأوربي) ومعهم تتنوع وتسمع كثيراً من القصص.

فهذه الكنزة الشتوية مكتوب عليها (صنع في ألمانيا)، وهذا البنطال قد يكون كبير الحجم لكن (موديله) غير موجود في الأسواق المحلية، لكنه يغويك لشرائه بل وتضييقه عند خياط الحارة.

تنتشر أسواق البالة وسط دمشق، في أحياء الإطفائية وشارع خالد بن الوليد وباب الجابية والقنوات والشيخ سعد ومزة 86، وفي جرمانا وغيرها من المدن والضواحي المحيطة بالعاصمة، إضافة إلى انتشارها في المحافظات الأخرى مثل حمص وحلب واللاذقية.. إلخ، وتختلف أسعارها بين محل وآخر وبحسب القطعة المعروضة على البسطات.

في المقابل ذهب البعض للاستفادة من مواقع التواصل الاجتماعي فأنشأ مجموعات إعلانية للترويج عن بضائعه، لكن يبقى للمس القطعة وفحصها بشكل مباشر نكهته الخاصة) الأمر الذي يتيح للزبون حرية أكبر في التأكد من مواصفات القطعة واختيارها.

كان الناس في السابق يشعرون بالحرج من التوجه لأسواق البالة، حتى تغير الحال مع ارتفاع أسعار الملابس الجاهزة، فأصبح الإقبال على هذه الأسواق واسع الانتشار، وأصبحت مقصداً للعائلات الفقيرة وذات الدخل المحدد.

أصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك قراراً في 9 تموز الماضي يقضي بتشديد الرقابة على الأسواق والمحلات التجارية التي تمتهن البالة، وضبطها باعتبارها مجهولة المصدر (مهرّبة) وحجزها لأنها تضر بالاقتصاد الوطني، ثم عادت وتريثت وبعد مدة وجيزة أنهت العمل بمضمون الكتاب السابق.

وفي ظل غياب شبه تام للمؤسسة المعنية بتنظيم مهنة البالة، تتقاذف الجهات المعنية المسؤولية، الأمر الذي يؤكد أن البالة من الأمور الشائكة.

يقول المسؤولون في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك إن قضية البالة من اختصاص وزارة الاقتصاد، وهذا ما تنفيه (الاقتصاد)، إلا أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تعود لتؤكد أن مهنة البالة من مهام وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية، إضافة إلى الجمارك.. مع العلم أن هذه المهنة ليست لها أي إدارة معنية بتنظيم عملها، لأنها ألبسة مهربة في أغلب الأحيان.. وهكذا تضيع صحة المواطن بين وزارتي الاقتصاد والتجارة الداخلية، ويضيع معها دخله البسيط الذي يصرفه مضطراً، لتأمين عائلته من الملبس الرخيص، دون أن يأخذ بالحسبان مصدر هذا الملبس، وهل هو صالح للبس من حيث المواصفات الصحية التي يجب أن تكون خاضعة لإشراف الدولة ومؤسساتها المعنية.. ولكن الدولة غائبة تماماً عن كل ذلك.

العدد 1105 - 01/5/2024