القيصرية.. حاجة أم تجارة؟

ولاء العنيد: على مر الأزمان كان ولا يزال ألم المخاض من أشد الآلام التي قد تعاني منها النساء، وما هي إلا فترة وينتهي هذا الألم المبرح الذي تكابده النساء لينتج عنه سعادة ضمّ وليدها الجديد، ولكن، ظلت تظهر حالات ولادة صعبة سببت فقدان حياة الأم أو الجنين، فكان الأطباء يلجؤون إلى حل اصطلح على تسميته بالولادة القيصرية، لتكون عوضاً عن الولادة الطبيعية في الحالات الخطرة. ومنذ بضع سنين أصبحت الولادات القيصرية متكررة بشكل كبير لأسباب كثيرة، ففي الآونة الأخيرة تحولت لتكون كالقطعة النقدية التي تحمل وجهين، الوجه الأول يتمثل في انتهاز بعض الأطباء فرصة خوف الأم من ألم الولادة الطبيعية أو خوفهن على جنينهن إثر تشخيص الطبيب لحالتها، وقد يكون الطبيب صادقاً في تشخيصه لخطورة الوضع، وقد يستغل هذا الخوف الناتج عن قلة الوعي لاستدراج الأهل للموافقة على الولادة القيصرية التي سيجني منها الطبيب أرباحاً ومالاً أكثر، إذ يصبح همه الأول والأخير لا صحة الأم وجنينها بل إقناعها بإجراء الولادة القيصرية بغض النظر عن حاجتها لهذه العملية، فتكون نتيجة هذا الخوف تجارة وثروة سريعة للطبيب. أما الوجه الأخر لهذه القطعة النقدية فيتجلى بقلة الوعي من بعض النساء لأهمية الابتعاد عن الولادة القيصرية إلا عند الضرورة، ففي السنوات الماضية بات إجراء العملية القيصرية (موضة) بسبب عدم إدراك كل مخاطرها، فتلك التي تريد اختيار ولادتها في يوم محدد أو عدم رغبتها في احتمال ألم المخاض لفترة طويلة، ومنهن من تظن أن أكبر قدر من الاهتمام يمكن أن تحصل عليه عند ولادتها هي في إجراء الولادة القيصرية وهذا حتماً تفكير خاطئ، فيجب أن يكون الهم في المرتبة الأولى الولادة الطبيعية الآمنة وعدم اللجوء إلى الولادة القيصرية إلا في الحالات الحرجة، كإصابة الأم بمرض السكر أو أن يكون حجم الطفل أكبر من حجم حوض الأم، أو إصابتها بتسمم الحمل. فالولادة الطبيعية بغض النظر عن حجم الآلام التي تسبقها فهي بحد ذاتها عملية طبيعية، وبالتالي تكون الأم قادرة على الشفاء أسرع ولا تحتاج إلى فترة راحة طويلة مقارنة بالولادة القيصرية التي قد تسبب للسيدات عند تكرار الولادة القيصرية لعدة مرات مضاعفات ومشاكل أثناء العملية أو بعدها كنقل الدم، فضلاً عن أثر و ألم الجرح الذي تسببه عملية الولادة القيصرية والتي هي مهما تطور الطب نوع من أنواع الجراحة. أما الأخطار طويلة المدى فقد تسبب بحالات من المشيمة الملتصقة يخشى من أن تصل إلى استئصال الرحم وإنهاء حلم الأم بإنجاب أطفال أكثر.

ومع ارتفاع نسبة الولادات القيصرية وتباين الأسباب واختلاف المستفيدين منها من جانب بعض الأطباء الذين يرغبون في زيادة أرباحهم ومن جانب أخر الأم التي تفضل الانتهاء من عملية الولادة بشكل أسرع وأسهل حسب اعتقادها، مما جعلنا أمام حاجة ملحة لوضع خطوط واضحة ومحددة لأسباب إجراء عملية الولادة القيصرية ومراقبة المشافي العامة والخاصة لعدم تحويل هذه العملية إلى تجارة والعمل على تدريب الأطباء الجدد بشكل أفضل في الجامعات والمشافي على دراسة كل حالة على حدة وتقدير ما إن كانت بحاجة حقا إلى إجراء عملية قيصرية أم لا، إضافة إلى توعية الناس بشتى الوسائل لمحاولة الابتعاد عن الولادة القيصرية إلا في حالات طبية معينة وعدم اعتبارها حالة من الراحة والدلال تشير إلى طبقة اجتماعية ومظاهر ترف تبعاً لفخامة المشفى الذي أجريت فيه الولادة. فالنتيجة التي نتمناها ونهدف إليها أن تكون الأم والطفل في حالة آمنة.

العدد 1104 - 24/4/2024