الفقر وتأثيره الكبير على المجتمع والعلم

 سليمان أمين: 

  الفقر هو الظاهرة الأخطر على مستوى العالم، وتعمل جميع الدول على محاربتها، وتضع ضمن أهم أولوياتها القضاء عليها أو التخفيف من حدتها؛ بطريقة أو بأخرى، وهي ظاهرة لا تخلو منها دولة من الدول، ولا مدينة من المدن.

يعرّف الفقر بأنه: الحرمان المادي الذي يترتب عليه التدني في كل المستويات، لا سيَّمَا المستوى التعليمي والمستوى الصحي والسكني, وينخر الفقر في خلايا المجتمعات فيساهم في خلق كثير من الآفات مثل سوء التغذية، الأمراض، والجهل وغيره. وقد أصبح بالإمكان قياس هذه الظاهرة، وتصنيف مستوياتها، ومن ذلك: الفقر، والفقر المدقع، وخط الفقر، والفقر الأدنى، والفقر الأعلى، ولكن نسأل: هل هناك مفهوم ومقياس واحد للفقر؟ ولخط الفقر؟ أي هل الفقر في سورية مثلاً  يُقاس بالمقاييس نفسها التي يقاس بها الفقر في إيطاليا أو السويد  أو في المملكة المتحدة وأمريكا؟ أم أن ذلك قد يختلف من دولة إلى دولة ثانية؟ ما هي العوامل ساهمت في ارتفاع نسبة الفقر في سورية فتجاوزت 89% في السنوات الأخيرة؟؟

لقد أثمرت سنوات الحرب في تردي وضع المجتمع السوري , وتراجع المستوى المعيشي للمواطنين إلى أسوأ حالاته , وإلى انعدام الطبقة الوسطى التي تشكل العمود الفقري والحيوي للمجتمع السوري، وذلك بسبب عدم التوازن بين الدخل المعيشي للفرد وأبسط متطلباته الحياتية من مأكل وحاجيات بيته الضرورية, ويعزى ذلك لأسباب كثيرة أهمها:

*_ ارتفاع الأسعار الجنوني الذي حصل خلال سنوات الحرب والذي لم يلقَ أي رادع له، مما جعل تجار السوق هم المتحكمين بسعر المواد المعيشية، الغذائية منها والمكملات من منظفات ووقود وألبسة …الخ , وفق سعر صرف الدولار غير آبهين بأحوال الناس والوطن، فهمّهم الوحيد هو جمع ثروة كبيرة والسيطرة على السوق.

*_ ضعف الرواتب ودخل الفرد سواء في القطاعين العام والخاص أمام ارتفاع الأسعار في السوق المحلية الذي بات مرتبطاً بأسعار العملات الصعبة .

*_ قلة فرص العمل إضافة إلى صرف الشركات الخاصة لموظفيها بسبب تقلص عملها مما زاد وضع كثير من الأسر سوءاً.

*_ غياب الحلول الحكومية التي تخفف من ارتفاع تكاليف المعيشة للأسرة، بل كانت القرارات الحكومية التي صدرت خلال السنوات الماضية كارثية على المجتمع والأسرة بشكل خاص فقد زادت الأعباء أكثر.

يضاف إلى ذلك عدم الاهتمام بالقطاعات المهمة التي تعمل على دعم التنمية والاكتفاء الذاتي، كالزراعة والصناعة، فكثير من المزارعين تركوا أرضيهم بسبب القرارات غير المحقّة التي جعلت خسائر محاصيلهم كبيرة، وكذلك حال الصناعة التي تدهورت بشكل كبير بسبب خروج كثير من المعامل عن العمل والإنتاج بسبب أعمال الإرهاب المسلح. والسبب الثاني يعزى إلى قلة الأيدي العاملة وهجرة الخبرات إلى أوربا وغيرها.

وهناك أسباب كثيرة أخرى أدت إلى ازدياد الفقر في سورية كان سببها الأساسي عدم تطبيق القوانين تطبيقاً صحيحاً، وبسبب عدم التخطيط بشكل جيد والتركيز على القضايا الأهم لاستمرار المجتمع.

 

تأثير الفقر على العلم والتربية في المجتمعات

يعتبر الفقر الآفة الكبرى التي تعاني منها كثير من المجتمعات، وتأثيرات الفقر لا تقتصر على ناحية واحدة، وليست محدودة في إطار معين, بل تؤثر على كل النواحي وتؤدي إلى قتل  كل ما يساهم في تقدم المجتمع وازدهاره، فلا تقتصر تأثيراته مثلاً على الحالة الاقتصادية أو الحالة الاجتماعية، وإنما تكون مجموعة متشابكة من التأثيرات، قد تكون كافية لتدمير المجتمع بالكامل، فالفقر يعتبر العائقَ الأكبر أمام تنمية الإنسان, إذ يقف الإنسان الفقير عاجزاً أمام كثير من الأمور التي يمنعه فقرُه من استغلالها، فلا يتمكن من تطوير نفسه، ومواكبة التطورات الهائلة في العصر الحديث، ويحرمه من الرفاهية التي يتمتع بها غيره، الأمر الذي يجعله ينعزل عن المجتمع بشكل كبير.

 إن الخطر الأكبر للفقر يكمن في تأثيراته السلبية على التربية والعلم والثقافة، إذ نجد المواطن الفقير لا ينظر إلى الأمور بنظرة الإنسان الطبيعي، ولا يراها من منظورها السليم، فيركز جُلَّ أولوياته لسد احتياجاته الأساسية التي تبقيه على قيد الحياة، مما يجعله لا ينظر إلى العلم على أنه ضرورة للحياة أبداً، بل ينظر إليه على أنه أمر ثانوي وذلك لعدم قدرته على تحصيله،  وهذا الأمر يجعل الأسر الفقيرة غير مهتمة بتعليم أبنائها، بل تدفعهم إلى سوق العمل، وهذا ما نراه منذ سنوات في بلدنا وازداد كثيراً في سنوات الحرب، رغم أن القوانين تجعل التعليم إلزامياً حتى عمر 14 سنة.

 يعتبر التعليم الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها مواجهة الفقر، على اعتبار أن التعليم هو السلاح الذي يحارَب به فقر المجتمعات، فمن خلال التعليم يمكن للفقراء أن يتعايشوا مع المجتمع بشكل كبير، ويجعلهم يساعدون في تقدم مجتمعهم، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض نسبة البطالة في هذا المجتمع، والمواطن يجب أن ينظر إلى التعليم على اعتبار أنه حق من الحقوق الأساسية الواجبة له في المجتمع، ولا بد من النظر إليه من هذا المنطلق في جميع الحالات، وذلك لأن أسرع الطرق التي تساعد على التخلص من الفقر هي التعليم للصغار، ومحو الأمية للكبار.

 ولا يتوقف أثر الفقر على التعليم فقط، بل يؤثر أيضاً بشكل كبير على عملية الإبداع في المجتمع، فكلما كان المجتمع فقيراً، قلّت عملية الإبداع، وقلّت الابتكارات التي تساعد على تقدم المجتمع وتطوره، ولعل هذا يرجع إلى عدم توافر القدرات لدى الإنسان الفقير؛ من حيث مواكبة التطورات الحديثة، حتى وإن قاوم الفقر فيما يخص الالتحاق بالعملية التعليمية، فسيجد صعوبات كثيرة فيما يخص مواكبة التكنولوجيا الحديثة، التي تحتاج إلى أموال كثيرة في أغلب الأحيان. إن الأمية التي هي نتيجة للفقر بطبيعة الحال ينتج عنها تلازم لدرجة كبيرة بين الفقر والمرض، الذي قد ينتشر بشكل كبير في المجتمعات التي تعاني من الفقر.

العدد 1104 - 24/4/2024