تمويل إعادة تأهيل الصناعة

فؤاد اللحام:

ما تزال مسألة تمويل إعادة تأهيل الصناعة السورية قيد البحث والتجربة والمراجعة، في ظل العثرات التي تعترض إعادة جدولة الديون المتعثرة من ناحية، والشروط الصعبة لمنح القروض الجديدة من ناحية أخرى، التي أدت – باعتراف عدد من المسؤولين في المصارف العامة المعنية – إلى عدم إقدام الصناعيين على طلبها ولجوئهم إلى الانتظار والتريث، أو الإقدام بحذر على إعادة تأهيل منشآتهم التي لا تحتاج إلى أموال كثيرة، وتشغيلها بجهودهم وإمكانياتهم الذاتية. وهذا في جميع الأحوال لا يشكل حافزاً مشجعاً للصناعيين الآخرين، سواء داخل البلاد أو خارجها، على إعادة تأهيل منشآتهم وتشغيلها، خاصة في المرحلة الحالية، وتفضيلهم انتظار مرحلة ما بعد الأزمة على أمل تحسّن الأوضاع العامة واستقراراها وإمكانية الحصول على التمويل اللازم والسهل من خلال المنح والمساعدات والقروض والتسهيلات الخارجية، واستعادة رؤوس الأموال السورية المهاجرة، وإلغاء تجميد الأموال السورية في المصارف الخارجية، إضافة إلى الموارد المأمولة من النفط والغاز، وتحسن بيئة الاستثمار بشكل عام.

ترك الأمور على وضعها الراهن بانتظار المرحلة المقبلة أمرٌ غير مقبول، لأن هذه المرحلة يجب أن تبدأ فعلياً قبل حدوثها فعلياً، من خلال التحضير لها وتنفيذ ما يمكن من متطلباتها، لتخفيف الوقت والجهد والكلفة وتسريع المردود عند قدومها. لقد سبق أن أثرنا هذا الموضوع أكثر من مرة وفي أكثر من مجال مؤكدين أن هناك أساليب وطرقاً عديدة يمكن من خلالها تسهيل الحصول على التمويل اللازم لإعادة تأهيل وتشغيل المنشآت الصناعية، سواء المتضررة والمتوقفة أو الجديدة، وأنه من الضروري مناقشة هذه الأساليب والإمكانيات المتاحة بمستوى عالٍ من الجدية والمسؤولية، من قبل الجهات المعنية العامة والخاصة وحتى الأهلية واعتماد ما يمكن منها، وفي مقدمتها ما يلي:

-حث المصارف وتشجيعها على استخدام التأجير التمويلي، وتشجيع القطاعين العام والخاص على الاستفادة من هذا الأسلوب لإعادة تأهيل وتشغيل المنشآت المتضررة وإقامة المنشآت الجديدة.

-إحداث صندوق وطني لتمويل إعادة تأهيل الصناعة يكون من موارده فرض رسم على المستوردات الصناعية اضافة إلى أية موارد أخرى ممكنة (اعتمادات حكومية ، تبرعات، تعويضات …).

-الاتفاق مع شركات منتجة للآلات من الدول الصديقة أو غيرها على تزويد المنشآت الصناعية المتضررة أو الجديدة بالآلات والتجهيزات مقابل تسديد قيمتها أو جزء منها بمنتجات المشروع.

-تشجيع المصارف الخاصة على تمويل المشاريع الصناعية ذات الأولوية، من خلال تحمّل الحكومة الفرق بين الفوائد التشجيعية التي تمنح لهذه القروض وسعر الفائدة الرائج لدى المصارف المعنية.

-إعادة النظر بالشروط الأخيرة المتعلقة بمنح القروض للمنشآت الصناعية، بحيث تكون موجودات المعامل هي الضمانة لهذه القروض على أن يتم تقديرها بشفافية وموضوعية.

-الإسراع في صرف التعويض للمنشآت الصناعية المتضررة والعمل على تشميل قيمة الآلات المتضررة ضمن التعويضات وعدم اقتصارها على المباني فقط، وكذلك رفع سقف هذه التعويضات، وتحقيق الشفافية والنزاهة في تقديرها وصرفها.

-تشجيع وتسهيل عملية تحويل الشركات الفردية إلى شركات محدودة أو مساهمة خاصة أو عامة تطرح أسهمها للاكتتاب العام بهدف تغطية ما يمكن من نفقات إعادة تأهيلها أو تنفيذها.

-تحويل بعض الشركات الصناعية العامة التي هي خارج الإنتاج حالياً إلى شركات مشتركة أو مساهمة عامة لتغطية قيمة الآلات والتجهيزات اللازمة، لإعادة هذه الشركات إلى الإنتاج وفق قواعد وأسس واضحة ومحددة، بعد إعداد دراسات تشخيصية لها لتقرير ما إذا كانت ستعود إلى إنتاج ما كانت تنتجه سابقاً أو تتحول إلى إنتاج منتجات جديدة.

أخيراً نعود إلى التأكيد مجدداً أنه ليس من المصلحة الوطنية تأجيل أو تسويف اتخاذ القرارات المصيرية والمهمة المتعلقة بالصناعة السورية، لأن المطلوب الآن ليس إعادة الصناعة السورية إلى ما كانت عليه قبل الأزمة، لأنها أصلاً كانت في أزمة، بل إعادة هيكلتها في إطار إعادة هيكلة الاقتصاد السوري بشكل عام، وتحويل الأزمة المركّبة التي تعيشها الآن إلى فرصة للنهوض والنمو.

العدد 1104 - 24/4/2024