صرخة من حي التضامن بدمشق

هو أحد أحياء دمشق، يقع في جنوب العاصمة، تأسس عام 1956 وأراضيه تابعة لبساتين الشاغور، يحدّه من الشمال حي الزاهرة، ومن الغرب مخيم اليرموك، ومن الجنوب يلدا، ومن الشرق سيدي مقداد وبيت سحم، معظم سكانه من كل المحافظات السورية ومن أبناء الطبقة الكادحة من عمال وفلاحين، وقد أسسوا حيّهم على حب العلم والتضامن فيما بينهم، ولذلك سمي بهذا الاسم فكان منهم القاضي والمحامي والمهندس والطبيب والمدرس والصحفي …الخ، ومعظم سكانه من ذوي دخل محدود من موظفين وعسكريين.. وقد طال الحي في الفترات السابقة بعض الإهمال من الدوائر الحكومية بتقديم الخدمات أو بناء المدارس والحدائق وعدم تنظيم المنطقة، مما أدى إلى انتشار العشوائيات أسوة بكثير من أحياء دمشق التي تتجاوز 70% من مساحة دمشق مع وجود بعض الخدمات كالماء والكهرباء والصرف الصحي والهاتف وضمن حدود. وفي سياق الأزمة التي مرت بها سورية من فوضى ومؤامرة اقتحم المسلحون هذا الحي الآمن المسالم، عام ،2012 وطردوا معظم أهله في القسم الجنوبي منه وأصبحت بيوت الحي عرضة للمعارك الحربية والنهب والتخريب، وصار أبناؤه عرضة للخطف والقتل، وانتشر أهل الحي الهاربين من جحيم المعارك في مدينة دمشق أو المناطق والمحافظات الأخرى، وتعرضوا لكثير من البؤس والشقاء والفقر والتهجير واستغلال تجار الحروب لهم، وقطنوا في منازل ذات أجرة عالية استنزفت مواردهم وأرزاقهم، وتعرضوا لضرر مادي ومعنوي كبيرين طيلة ست سنوات مرت وفي شهر أيار عام 2018 قام الجيش العربي السوري بتحرير حي التضامن وإخراج المسلحين منه وتسلمت قوات الدفاع الوطني زمام الأمور وقد بدأ سكان هذا الحي بالدخول إليه للاطمئنان على منازلهم، وتبين أن هناك منازل سليمة بشكل كامل بحدود 80% وأن المنازل المتضررة بحدود 20% فقط إضافة إلى تضرر بسيط في البنى التحتية ويمكن إصلاحها، ووجود بعض الخنادق التي لا تؤثر على حالة الأبنية في حال عودة السكان.

ولو أن محافظة دمشق قامت بإزالة الأنقاض في حينه لاستطاع الأهالي العودة إلى منازلهم وحياتهم الطبيعية. وهنا بدأت المأساة الحقيقية لهؤلاء المساكين الذين تعرضوا للمماطلة في إجراءات عودتهم من الجهات الرسمية كمحافظة دمشق، وللنهب والسرقة والتعفيش لبيوتهم من قبل عصابات الفساد ورغم مناشدة الجهات الرسمية كافة بذلك إلا أنهم لم يلقوا الاستجابة لمطالبهم.

شكلت لجنة من محافظة دمشق لدراسة الوضع، فزارت المنطقة وتعرضت للتضليل من قبل بعض المستفيدين من عدم عودة الأهالي، رغم أن وفداً من سكان المنطقة اجتمع مع المحامي فيصل سرور رئيس اللجنة ووضعه بالصورة الحقيقية مرفقاً بالثبوتيات من صور وأرقام ووعدوا خيراً.

إلا أنه بتاريخ 26/9/2018 صدر تقرير اللجنة المذكورة صادماً تنبعث منه رائحة العبث بحقوق المواطنين وأرزاقهم، فقد اعتبر التقرير أن 90 % من حي التضامن لا يصلح للسكن لدماره، وأن 10 % فقط يمكن أن تسلّم لمالكيها، وحددت 690 منزلاً فقط (من أصل أكثر من عشرين ألف منزل) وشمّعتها بالشمع الأحمر، علماً بأن هذه المنازل تقع في منطقة صغيرة محدودة على عقار مستملك أصلاً ولم يدخلها المسلحون وبقي معظم سكانها فيها، بينما السواد الأعظم من السكان (حوالي 250000) شخص رمي بهم على قارعة الرصيف بدم بارد لتزداد معاناتهم أكثر، فقد جاء القرار المذكور مجحفاً بحقوقهم معتمداً على أسس ومعلومات غير صحيحة تفتقد إلى أدنى حدود المصداقية، فضلاً عن تشكيل اللجنة الخاطئ، فلم يكن فيها ممثل واحد من أبناء المنطقة يعرف مناطقها ومنازلها وسكانها وحاجاتهم، رغم أن في مجلس المحافظة عضو من أبناء المنطقة، ورغم وجود لجنة حي من أهل التضامن، وقد جاء تشكيل اللجنة قاصراً مخالفاً لأبسط المعايير.

لقد جاء في متن القرار المذكور أن حي التضامن ستتم دراسة المخطط التنظيمي له عام ،2019 وستوضع خطة بناء خلال أربع أو خمس سنوات. وفي تصريح لرئيس اللجنة على الفضائية السورية أنه يمكن تنفيذ التنظيم خلال الخمسين سنة القادمة.

هذا التصريح يؤكد جهل هذه اللجنة، فكيف يبقى أكثر من 250000 مواطن كل هذه المدة خارج منازلهم التي قد يستفيد أحفادهم منها، إذا لم يحدث الاستيلاء عليها وفق ما يخطط له بعض الفاسدين.

هذه صرخة من حناجر هؤلاء المواطنين في وجه الظلم وضياع حقوقهم، يطلبون من الجهات المسؤولة استعادة حقوقهم بأسرع ما يمكن وتحقيق العدالة لهم وإنصافهم.

فهل من مجيب؟!

المحامي عثمان محمد العيسمي

 

** جريدة (النور)، إذ تنشر هذه الصرخة، تؤكد تضامنها مع أهالي حي التضامن ومطالبهم المشروعة.

العدد 1105 - 01/5/2024