المؤسسة العامة للتبغ.. الـربـح بـالمقـلوب!

صفوان داؤد:

بدأت زراعة التبغ في سورية منذ نحو 4 قرون عندما كانت خاضعة للاحتلال العثماني، وتشير المصادر إلى أنه في عام 1590 سُمح للساحل السوري ولبنان بزراعة التبغ، وبعد فترة من انتشاره اشتهر التبغ المحلي عالمياً باسم التبغ اللاذقاني. في عام 1656 أوقفت السلطات العثمانية زراعته حوالي عشرين عاماً قبل أن تعيد السماح بزراعته، لكن عبر ما سُمِّي وقتذاك: (إدارة حصر الدخان العثمانية) التي نظمت شؤون هذه الزراعة حتى عام ،1884 عندما تنازلت عنها لصالح امتياز استثماري لشركة فرنسية لمدة 30 عاماً، ومع خروج العثمانيين حافظت الشركة المذكورة على هذا الامتياز حتى عام ،1929 حين أدخل الانتداب الفرنسي نظام (البندول)، وهو نظام يعتمد على استيفاء رسم حكومي مقابل المنتج، لكن هذا النظام لم يستمر طويلاً، ففي عام 1935 أعادت فرنسا العمل بنظام الاحتكار وذلك بموجب القرار (رقم 16ل. ر) وسلمت تجارة التبغ إلى (الشركة اللبنانية السورية ذات المنفعة المشتركة لابتكار التبغ والتنباك) برأسمال قدره 25,1 مليون ليرة لبنانية سورية، وهي شركة مساهمة محدودة بقيت مسؤولة عن هذه التجارة حتى عام ،1951 عندما قامت الحكومة السورية في عهد الرئيس هاشم الأتاسي بتأميم الشركة وتتبيع ملكيتها للدولة. ومنذ هذا التاريخ توسعت المنطقة الجغرافية التي يُزرع فيها التبغ في سورية، وبلغت عام 2000 بحسب بيانات منظمة الصحة العالمية، حوالي 16726 هكتاراً، منها 8,9 آلاف هكتار في الساحل السوري، بإنتاج قارب 26112 طناً مترياً، أنتجت المنطقة الساحلية منه نحو 45 %.

أشهر الأنواع التي تتم تُزرَع في سوريا نوع (أبو ريحة) المرغوب للتصدير، و(شك البنت) وهو نوع محلي يتميز بصغر حجم أوراقه، و(فرجينينا) وهو نوع أمريكي دخل منذ فترة ليست ببعيدة ضمن قائمة صنوف التبغ التي يُسمَح بزراعتها محلياً، ويتميز بورقه الكبير العريض وإنتاجه الغزير. ومن الجدير بالذكر أن عدد المدخنين في سورية يتراوح بحسب تقرير للمؤسسة العامة للتبغ بين 5,4 إلى 5 ملايين مدخن، واستهلاك يومي للمادة يقدر بنحو 50 طناً. وذكرت صحيفة (تشرين) الرسمية أن أرباح المؤسسة العامة للتبغ أو (الريجي) (بلغت خلال النصف الأول من عام 2017 نحو 093,9 مليارات ليرة، وهو ما يفوق حصيلة أرباحها النهائية خلال العام الماضي والبالغة حوالي 6,8 مليارات ليرة). وكما يبدو هذه المؤسسة رابحة! لكن ماذا يعني أنها رابحة؟

في الحقيقة كانت هذه المؤسسة ومازالت تتحكم بمعيشة المزارعين الدراويش الملّاكين للأراضي الجبلية ضيقة المساحة والنائية، عبر يدها الطولى التي تسمى (إدارة حصر التبغ والتنباك) التي تحتكر وتشرف على تجارة التبوغ وصناعته وحتى تحديد نوع زراعتها. ويعاني مزارعو التبغ بشكل عام من ارتفاع مستلزمات الإنتاج، ويشكّل ارتفاع أجور العمال عبئاً إضافياً على تكاليف الإنتاج، ما يجعل أسعار بيع المحصول غير متناسبة مع مصاريف الإنتاج. ولكم أن تتصوروا معاناة أهل تلك المناطق الجبلية في زراعة هذه النبتة.

لا يمكن أبداً تخيل مدى عمليات التلاعب والهدر التي تحصل داخل كواليس هذه المؤسسة، بدءاً من تقييم (المراسل) حتى طرح المنتج في السوق، وجميعها على حساب عرق المزارع وجهده. ويكفي أن نشير هنا إلى أن سعر الطن المتري المُباع بعد التصنيع يبلغ خمسة عشر ضعفاً من سعر الطن الأولي والجاهز للتصنيع عند استلامه من المزارع، ونرى في الحياة ونلاحظ أن ثروة أحد مسؤولي هذه المؤسسة تعادل ثروة سكان قرية صغيرة تعيش على إنتاج التبغ! ثم يأتي الإعلام الرسمي، بتوجيه من الحكومة، ويقول إن المؤسسة العامة للتبغ هي مؤسسة رابحة؟!

العدد 1105 - 01/5/2024