الفاسدون والمُفسَدون

سامر منصور:

عند دراسة أيةّ ظاهرة اجتماعية سلبية، تُدرس الدوافع القابعة أو الكامنة خلف هذه الظاهرة، وتوضع آليات لإلغاء هذه الدوافع، وبالنسبة للرشوة والفساد في سورية، فأنا لا أرى الموظف الذي يتقاضى رشوة، ليؤمن مستلزمات منزله الأساسية، حتى نهاية الشهر لأن راتبه لا يكفيه، لا أراه فاسداً خطيراً، ومخرباً لمبادئ العدالة الاجتماعية والعمل المؤسساتي، بقدر ما يُشكّل الفاسد الثري، الذي يريد أن يغيّر سياراته الفخمة المستوردة، بسيارات أحدث، ويريد افتتاح فروع جديدة لشركاته التي أسّسها من سرقة المال العام.

فكما أن أخطر اللصوص هو من يرتدي بدلة أنيقة، وليس ذلك (المعتر) الذي يتسلّق ماسورة المياه، ليصل إلى نافذة الضحية.

كذلك الفاسد الأخطر، ليس من يريد أن يملأ الثلاجة بالطعام لعياله، بل هو ذاك الذي يحول دون صعود سورية كدولة عظمى، مثل أي دولة أوربية قوية ومؤثرة، لأن سورية لا ينقصها شيء لتكون دولة متقدمة ورائدة، لولا أن الفساد والاحتكار والمحسوبيات تستنزف فرصها في التطور والنهوض الكبير.

لعلّ أخطر مسألة في أولئك الذي يرتشون ليكملوا مصروفهم الشهري، بحيث لا ينقص أسرهم شيء، ظنّهم أو إحساسهم أنهم جزء من الفساد الذي يجهض نهوض الدولة، وبالتالي يمتنعون عن انتقاد ومهاجمة الفاسدين الحقيقيين والكبار أو مهاجمتهم، ويحسبون أنهم في خندق واحد معهم.

إن الغالبية يشعرون أنهم متورطون في الفساد، مما يتيح للفاسد الحقيقي (الخطير) أن ينجو بفعلته.

العدد 1104 - 24/4/2024