سورية في مواجهة الضغوط الإقليمية والدولية

جريدة النور

د. صياح عزام:

منذ أن لاحت في الأفق بوادر توجّه الجيش السوري وحلفائه نحو إدلب، للقضاء على التورم السرطاني الإرهابي فيها واستعادتها إلى حضن الدولة السورية، بدأت الضغوط الدولية والإقليمية تشتد على سورية أولاً، وعلى روسيا ثانياً، وهذا بالطبع ما أدى إلى خلط الأوراق، وشكّل عقبة جديدة في وجه تحقيق الاستقرار، ليس في شمال وشرق سورية وحسب، بل في المنطقة بأسرها، نتيجة لتضارب المصالح فيما يتعلق بمحافظة إدلب السورية.

فالدولة العميقة في الولايات المتحدة الأمريكية لها مصلحة كبيرة في عدم تمكين روسيا من هذه المنطقة، وهي تتخذ عدة إجراءات في هذا السياق، إلى جانب أنها مرتاحة لما يقوم به أردوغان، خاصة بعد تصريحه بأن الهجوم على إدلب من قبل سورية وحلفائها معناه الاقتراب من حدود تركيا الأطلسية!

تركيا من جانبها تدعي أن تدخلها في سورية هو لحفظ الأمن القومي التركي، ولكن في الحقيقة لديها دوافع أخرى مريبة: الدفاع عن عملائها من الإرهابيين في إدلب، وإيجاد موطئ قدم لها دائم في الشمال السوري، واستمرار ابتزاز الدول الأوربية من خلال تخويفها من مسألة تدفق اللاجئين السوريين إليها.

أطراف أوربية ممثلة ببريطانيا وفرنسا وألمانيا تهدف إلى الحصول على جزء من الكعكة السورية في أية تسوية مقبلة، ولهذا راحت تدّعي عبر تصريحات مسؤوليها بأنها لن تقف مكتوفة الأيدي، إذا استخدمت سورية السلاح الكيميائي في إدلب.

إذاً، كل هذه الجهات الآنفة الذكر تبحث عن مكاسب خاصة، وبالتالي تتدخل في سورية، بشكل أو بآخر، لإطالة أمد الحرب الإرهابية عليها والاستثمار فيها عبر عمليات استخبارية تزعزع الاستقرار في إدلب وغيرها من المناطق السورية.

ومن الضغوط التي مورست على سورية أيضاً في الأيام الأخيرة، اجتماع مجموعة الدول السبع المصغرة يوم 15/9/2018 والبيان الصادر عنه، بما تضمّنه من مطالب وشروط تعكس رغبة هذه الدول- التي تسمي نفسها مجموعة أصدقاء سورية وهي (أمريكا وفرنسا وبريطانيا والسعودية ومصر والأردن وألمانيا) في السيطرة على الدولة السورية، ومن هذه المطالب والشروط حجب المساعدة الدولية لإعادة الإعمار عن المناطق التي تسيطر عليها الدولة السورية، وصياغة الدستور تحت إشراف أممي، وتقليص صلاحيات رئيس الجمهورية بحيث تصبح شكلية، وتحديد صلاحيات القوات المسلحة، وبالتدقيق في خلفية هذه المطالب وأبعادها يتضح أنها بمثابة صك انتداب على سورية.

– لاشك بأن روسيا هي بصورة هذه الضغوط على سورية، إلى جانب أنها لا يمكن أن تتخلى عما ضحت به في سورية في مجال مكافحة الإرهاب، هذا الإرهاب الذي يستهدفها لاحقاً، كما تدرك روسيا أبعاد التحركات والضغوط الأمريكية، ولاسيما في موسم الانتخابات النصفية المقبلة في شهر تشرين الثاني القادم، وحاجة ترامب إلى لظهور بمظهر رجل أمريكا القوي بما يحقق له النجاح في الانتخابات المذكورة.

لذلك، وفي ضوء هذه الضغوط والتطورات، جاءت قمة سوتشي بين الرئيسين بوتين وأردوغان كخطوة مهمة تجاه الوضع في إدلب، فقد اتفق الجانبان على إقامة منطقة منزوعة السلاح كخطوة أولى على طريق استعادة إدلب، وتلافي عدوان أمريكي- أوربي ضد سورية بذريعة استخدام السلاح الكيماوي، على أن ينفذ الاتفاق على مراحل ثلاث، فبعد المرحلة الأولى المتمثلة بالمنطقة المنزوعة السلاح، تجري في المرحلة الثانية عملية نزع السلاح الثقيل منها بدءاً من 10/10/،2018 لتأتي لاحقاً المرحلة الثالثة وهي دخول مؤسسات الدولة السورية إلى إدلب قبل نهاية العام الحالي.

وترافقت قمة سوتشي مع عملية عربدة إسرائيلية وقحة ومكشوفة، عبر العدوان على مطار دمشق الدولي، ثم على مواقع مدنية في اللاذقية، وذلك ردٌّ إسرائيلي أيضاً على حالة التعافي السوري، التي تجسدت في حدثين بارزين هما:

الأول: إقامة معرض دمشق الدولي كحدث اقتصادي واجتماعي وثقافي كبير، والثاني إجراء انتخابات المجالس المحلية كاستحقاق دستوري حيوي ومهم أيضاً، على طريق إعادة الحياة الطبيعية إلى سورية وتعزيز قدرتها على مواجهة المؤامرة، كذلك تسببت إسرائيل لاحقاً في إسقاط الطائرة الروسية (إيل 20) واستشهاد من كان على متنها من الضباط والجنود الروس.

أخيراً.. نقول ونذكّر بأن سورية تعودت على مثل هذه الضغوط وأتقنت كيفية التعامل معها وإفشالها، بدعم من الحلفاء والأصدقاء وفي مقدمتهم روسيا والصين وإيران والأشقاء في المقاومة الوطنية اللبنانية، وليعلم أعداء سورية بأنه لن يهدأ للسوريين بال إلا بعد تطهير أراضيهم من الإرهاب التكفيري، ومن الاحتلال الأمريكي والتركي لبعض هذه الأراضي.

العدد 1105 - 01/5/2024