رابطة النساء السوريات تعقد مؤتمرها الثامن

جريدة النور

بتحية إجلال لشهداء الوطن.. وتحت شعار “المساواة التامة بين الرجل والمرأة في كل التشريعات السورية ــ جنسيتي حق لي ولأسرتي .. معاً امرأة ورجل من أجل إعادة الإعمار والتنمية المستدامة ــ مكافحة الإرهاب والتطرف مسؤولية وطنية”.

في مبنى اتحاد عمال دمشق، عُقد صباح السبت 22/9/2018 المؤتمر الثامن لرابطة النساء السوريات، تحت شعارات عدّة أهمها: (العمل من أجل وحدة الحركة النسائية التقدمية في سورية).

وترافق هذا الشعار مع شعارات أخرى تختصر أهداف رابطة النساء السوريات وعملها مثل: (تحية إجلال لشهداء الوطن_ المساواة التامة بين الرجل والمرأة في كل التشريعات السورية_ جنسيتي حق لي ولأسرتي_ معاً امرأة ورجل من أجل إعادة الاِعمار والتنمية المستدامة_ مكافحة الإرهاب والتطرف مسؤولية وطنية).

وقد ابتدأت الرفيقة هدى مللي حفل الافتتاح مرحّبةً بالضيوف من الرفيقات والرفاق والصديقات والأصدقاء، طالبةً الوقوف دقيقة صمت تقديراً لأرواح شهدائنا الأبرار، على أنغام النشيد الوطني للجمهورية العربية السورية.

 

كلمة رابطة النساء السوريات

ألقت الرفيقة وفيقة حسني (عضوة المكتب السياسي في الحزب الشيوعي السوري الموّحد، وزيرة الدولة لشؤون الاستثمار) كلمة رابطة النساء السوريات، جاء فيها:

كل الإجلال لأرواح شهداء الوطن الذين عطّروا أرضه بدمائهم الطاهرة!

تحية اعتزاز وفخر للجيش العربي السوري الذي استعاد الأرض والأمن والهوية

كل الاحترام للمرأة السورية التي رسمت خلال أقذر حرب شهدها التاريخ صورة إعجازية للصمود والوطنية ونكران الذات، وقدّمت أبناءها قرباناً لكرامة الوطن وعزّته واستقلاله، واستشهدت مدافعة عنه، وذلك كي يعرف الغزاة بكل أشكالهم أن سورية عصية أبية بكل أبنائها.

أن ينعقد مؤتمرنا اليوم يعني أننا انطلقنا في طريق المعافاة، خطوة نخطوها لنعيد الألق لعملنا بملامح واضحة لمرحلة مختلفة من تاريخ سورية، ولنساهم مع كل الفرقاء في عمل نسائي تقدمي منظّم.

حين نتحدّث عن المرأة السورية يتداعى إلى ذاكرتنا تاريخ طويل للحركة النسائية السورية التي نهضت مع النهوض الوطني البرجوازي في المنطقة العربية ضدّ الظلم والاستبداد، ويُسجّل لها التاريخ صفحات خالدة من نضالها ضدّ الاستعمار، وفي نشر الوعي بين المواطنين.

كانت الحركة النسائية السورية عند بدء نشوئها قوية وطنية التوجّه، تتبنى القضايا المصيرية في ظلّ النضال ضدّ الاستعمار، وتعمل في مواجهة ومعالجة الآثار الكارثية التي خلّفها وفي مقدمتها الأميّة.

ورابطة النساء السوريات التي تأسست عام 1948 كانت جزءاً لا يتجزأ من هذا النضال الوطني، وهي من المنظمات النسائية العربية الأولى التي ساهمت في تأسيس الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي. وفي المؤتمر التأسيسي الأول لها، رسمت المنظمة الفتية التي آمنت بأن تحرر المرأة مرتبط بتحرر المجتمع ملامح طريقها النضالي.

واكبت الرابطة من خلال عملها تطلعات جماهير النساء السوريات واحتياجاتها، وساهمت من خلال التحرّك على الأرض في إيصال صوتها، مطالبة أو مقترحة أو مُحتجّة، في الوقت الذي انطلقت فيه إلى الأحياء الشعبية والقرى لتعمل في إطار محو الأمية والتأهيل المهني، والإسعاف، وكانت فاعلة في المؤتمرات العربية والعالمية. فقد دعت الرابطة منذ تأسيسها إلى توعية النساء من أجل مساهمتهن في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومن أجل تعميق دورهن وتوسيعه في حياة البلاد، وحثّهن على الانتساب إلى الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والفلاحية والمهنية وغيرها من حركات التغيير الاجتماعي. وكان هذا الطرح يحمل بذور وعي استراتيجي كمحاولة للدفاع عن موقع المرأة كفرد وكجماعة لها الحق في الحياة الكاملة والتصدي للعمل العام، والسعي لاستنهاض القوى الاجتماعية لتحقيق التغيير الاجتماعي. وقد حصلت الرابطة على وسام (أوجيني كوتون) تقديراً لنشاطها في شتى الميادين المتعلقة بالمرأة، وكوتون عالمة الفيزياء والشخصية البارزة والمرموقة في الحركة النسائية العالمية، ورئيسة الاتحاد النسائي الديمقراطي العالمي سابقاً لسنوات طويلة.

والآن وبعد ثماني سنوات من الحرب على سورية، الحرب التي أُعدَّت استراتيجيتها مسبقاً ومنذ سنوات طويلة، استراتيجية استهدفت كيان الدولة، وانعكست لاحقاً من خلال العدوان بآثار اقتصادية واجتماعية وثقافية كارثية، وضمن هذا السيناريو الشيطاني الذي أراد ألاّ يكون هناك دور للمرأة العربية السورية، لا بدّ أن نستنهض جميعاً كل الطاقات النسائية الكامنة في مواجهة كل القوى التي أرادت أن تُسدل الظلام على العقول النسائية، لتستطيع أن تعتقل الوطن والفكر والإنسان.

الآن، المهمات الملقاة على عاتق الحركة النسائية السورية كبيرة، فتداعيات الحرب تفرض علينا الوقوف معاً لمعالجة هذه التداعيات، وخاصة ما يتعلّق بالاضطهاد الاجتماعي والثقافي الذي مارسه ويمارسه حاملو الفكر الظلامي المتشدد، لإعاقة تطور المرأة والحيلولة دون مشاركتها الفعّالة في الحياة العامة، وللسير قدماً لتحقيق المساواة الإنسانية البنّاءة.

كل ذلك يدعو جميع القوى والهيئات الوطنية في البلاد لتدارس سبل تنظيم النشاط النسائي وتطويره على أساس ديمقراطي تقدمي وفق برامج تستوعب الطاقات النسائية الواسعة، ويساعد على بناء فضاء يتوازن فيه مجتمعنا بما يحقق التطور في مختلف جوانبه.

فلنعمل معاً في سبيل مستقبل مُشرق لوطننا!

وشكراً لكم.

 

كلمة المرأة الفلسطينية

بعد ذلك ألقت الرفيقة نعمت عيسى كلمة المرأة الفلسطينية واتحاد لجان المرأة الفلسطينية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، جاء فيها:

الأخوات والإخوة… الرفيقات والرفاق

الرفيقات قيادة وأعضاء رابطة النساء السوريات، كلٌّ باسمها ولقبها وصفتها… اسمحوا لي أن أحييكم باسمي وباسم اتحاد لجان المرأة الفلسطينية في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. واسمحوا لي أن أُبرق من هذا المكان، من دمشق الياسمين العاصمة التاريخية لقلب العروبة النابض تحيات اتحاد لجان المرأة الفلسطينية للجيش العربي السوري وانتصاراته العظيمة. أتيناكم باسم المرأة الفلسطينية حارسة الوجود والبقاء، ملهمة التضحيات، الصامدة الصابرة، المرأة التي قدّمت أروع آيات النضال والتضحية، حباً بالوطن وحريته، وصنعت من دمائها وجسدها الطاهر قناديل تُضيء لنا دروب الحرية والاستقلال.

أيتها الرفيقات:

لقد انخرطت المرأة الفلسطينية في النضال جنباً إلى جنب مع الرجل ما يزيد عن مئة عام من الصراع المحتدم، وبكل أشكاله، وقدّمت نفسها شهيدة كالشهيدة شادية أبو غزالة، دلال المغربي، حلوة زيدان، رزان النجار ووصال الشيخ وغيرهن الكثيرات. ولم يتوقّف عطاؤها بل برز دورها أيضاً في معركة الأسر ومواجهة السّجّان أمثال الرفيقة خالدة جرار، عهد التميمي، إسراء الجعابيص، والقائمة تطول. ولا ننسى أنها أخت الشهيد وابنته وأم الشهيد التي تزفُّ ابنها بالزغاريد حباً بالوطن وفداءً له.

الحضور الكريم.. لا تزال المراة السورية اليوم، وبعد سبع سنين عجاف من الهجمة الصهيو أمريكية وأدواتها الرجعية والتكفيرية الشرسة تواجه التحديّات والمصاعب كالعنف والاضطهاد، وآثار الزواج القسري والمبكر، والجهل، والأمية، والفقر، والاستغلال، وآثار النزوح والحروب والأزمات. وبالرغم من تلك العقبات، تساهم المنظمات النسائية السورية، وخاصة رابطة النساء السوريات بالعمل من أجل حصول المرأة على حقوقها وتمكينها ومشاركتها في كل المجالات، وفي العملية التنموية الشاملة، لتكون فاعلة ومتميّزة.

لقد عملت رابطة النساء السوريات على نشر الوعي بقضايا المرأة وفقاً لمبدأ المساواة التامة، وتحويل قضية المرأة إلى قضية اجتماعية عامة باعتبارها قضية من قضايا التقدّم الاجتماعي. وكان أداء الرابطة متميّزاً في المجال القانوني، وضمّت في صفوفها وإلى جانبها نخبة من المحامين وأعضاء مجلس الشعب، وإعلاميين وناشطين في مجال حقوق الإنسان والمرأة.

الحضور الكريم..

ساهمت رابطة النساء السوريات مع المنظمات النسائية الفلسطينية بالتواصل مع المنظمات النسائية السورية والعربية، في تشكيل اللجنة النسائية العربية لدعم الانتفاضة الثانية (انتفاضة الأقصى) عام 2000 وكان لها دور بارز ومميّز، ومن أهم أهداف هذه اللجنة دعم كفاح الشعب الفلسطيني، ونشر الوعي بأهميته، ودعم الانتفاضة باعتبارها رافعة للنضال الوطني من أجل تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني. وقد قامت اللجنة بالاعتصامات والمسيرات واللقاءات مع شخصيات وطنية ومؤسسات ومراكز لها نفوذ وتأثير في القرار السياسي. وقامت أيضاً بفعّاليات ثقافية وسياسية وتربوية، وجمعت التبرعات المادية والعينية دعماً لأهلنا في الأرض المحتلة. كما اصدرت الملصقات وعدّة مذكرات لمؤسسات دولية كالصليب الأحمر والأمم المتحدة، والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن من خلال ممثلياتها وسفاراتها.

أيتها الرفيقات.. ينعقد مؤتمركن الثامن في ظلّ هجمة عدوانية احتلالية شرسة على القضية الفلسطينية، بما يُطرح من صفقة القرن، بدءاً من نقل السفارة إلى القدس واعتبارها عاصمة للكيان الصهيوني، وتصفية قضية اللاجئين من خلال شطب عمل الأونروا وتغيير تعريف اللاجئ الفلسطيني، ومؤخّراً إغلاق مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وما يتمّ الحديث عنه من هدنة بين حماس والكيان الصهيوني وما تحمله في طياتها من مخاطر جدية، أولها تكريس الانقسام وضرب الوحدة الوطنية، وفصل غزة عن الضفة. وهذا يتطلّب منّا التعاون المستمر والعمل على تمكين المرأة والنضال من أجل نيل حقوقها ومساواتها مع الرجل في كل المجالات.

مرّة أخرى أحييكن وأبارك لكن مؤتمركن، على أمل أن يخلُص إلى نتائج إيجابية بقدر المسؤولية المُلقاة على عاتقكن في النضال من أجل حقوق المرأة والتعاون والتعاضد بيننا، وتبادل التجارب والخبرات ومواجهة التحديّات.

تحية للمنظمات النسائية السورية والفلسطينية.. تحية للمرأة السورية الصامدة.. تحية للمرأة الفلسطينية.. تحية لشعبنا الفلسطيني!

المجد والخلود لشهداء سورية وفلسطين والأمة العربية وحركات التحرر في العالم.. النصر للمرأة وحقوقها وقضيتها العادلة!

 

كلمة د.سلوى العبدالله

كما ألقت الرفيقة (من حزب الاتحاد الاشتراكي) الدكتورة سلوى العبد الله (وزيرة الدولة لشؤون الأحزاب)، كلمة جاء فيها:

وأنا بينكم وفي افتتاح مؤتمر رابطة النساء السوريات، هذا التنظيم العريق، ونحن جميعاً على المنحدر الثاني من البركان الذي اشتعل في وطننا الغالي، أراني راغبة بالحديث ليس عن ماضي النساء السوريات العظيم، ولا عن صمودهن الأسطوري خلال هذه الحرب المتوحّشة على بلدنا، وإنما أرغب بالحديث عمّا يجب أن نفعل جميعاً للأيام القادمة، بعد أن حملنا كلُنا نساءً ورجال جزءاً من المسؤولية فيما جرى عن قصد او غير قصد، بذنب أو دون ذنب.

وكما توافق المفكرون، فإن الحرب السورية هي حرب أفكار. وحرب الأفكار حسب التعريف هي صراع معتقدات وإيديولوجيات ومفاهيم متعارضة، لتعزيز مصالح معيّنة تستهدف عقول وقلوب الناس للتجييش أو القمع أو الترهيب، أدواتها الإعلام المسموع والمكتوب والمرئي، وكذلك المنابر الثقافية والدبلوماسية والدينية وصفحات النت. تترافق حرب الأفكار مع نوايا عدائية تتبعها أعمال عدائية. وهي حرب مثل أيّ حرب من حيث الوحشية والضحايا والخسائر المادية والوطنية والبشرية، وقد تكون أخطر وأذاها أوسع وعمرها أطول، وتأثيرها أعمق.

لماذا نفتح حديثاً كهذا في مؤتمر للنساء؟ هل كانت نساؤنا معنيات بما حدث كمستهدفات أو مشاركات في التدمير الذي أصابنا؟ ولعلّ الجواب المنطقي الأعمق في تحليل الأزمة هو: نعم.

يقولون إذا رغبت بتدمير حضارة ما يجب أن تُدمّر نساءها. إذاً تدمير النساء هو هدف تكتيكي واستراتيجي في الحرب وفي السلام، خاصة أن ارتقاء الأمم وانحطاطها مرتبط بالمرأة.

قد نفهم أن تكون المرأة مستهدفة أو ضحية، أمّا أن تكون مشاركة في التدمير بشخصها أو بمن ربّت أو دفعت من رجال، فهذا مُستغرب بالنسبة لطبيعة المرأة التي تميل إلى السلام والاستقرار. إذا ما هو السبب؟ هل هو الجهل والتخلّف؟ لعلّه هكذا. إذاً ما هو المطلوب؟ المطلوب نهضة نسائية شاملة. والسؤال: من المعني بهذه النهضة؟ ومن سيقوم بها؟ هل أنتم وأنا ومن تشبهنا هنّ المعنيّات بهذا الأمر؟ ربما، ولكن قد تعتبر أيّ منّا نفسها أنها تقوم بواجبها ولا ينقصها التحرر ولا الجهد والعمل في دائرتها النيّرة التي توجد فيها! وهذا قد يكون كافياً!

يقول نيكوس كازانتزاكس: (نحن كُلّنا كينونة واحدة، لو أن عقلاً في أقاصي العالم يغرق في البلاهة، فإنه يملأ أصداغنا بالظلام). ويتابع: هذا هو الأمر الذي يجعل خلاص الكون خلاصنا أيضاً. إن تضامننا مع البشر الآخرين ليس ترفاً لحنان القلب، إنما هو شكل من أشكال الحماية الذاتية، واستجابة لضرورة حقيقية، ضرورة تأمين سلامة من يحمي ظهرك في الجيش وأنت تحارب).

ولعلّ أصدق تعبير عن كل هذا كان في أزمتنا السورية الذي هدم فيها الجهل والتخلّف كل ما بنيناه أو سعينا إليه أو حلمنا به. يُضاف إليه هنا في سورية أننا مجتمع غير متجانس في العديد من الأمور. ولعلّ العالم كله أصبح يُدرك معنى كلمات كازانتزاكس هذه مع انتشار الإرهاب العالمي. إذاً، الكل مسؤول عن عملية النهضة والتنوير.

والسؤال الآن: هل هذا هو الوقت المناسب للعمل؟

قال أحدهم: إن تربية المرأة ليس من الكماليات التي يُنتظر بها مرور الزمن، أو يجوز الإبطاء في إعداد الوسائل لها كما يتوهم كثير من الناس. إذاً، السبيل الوحيد لخلاصنا هو أن نتأهّب. هكذا قال هايدغر. ومن الناحية العملية، هل قضية المرأة هي قضية النساء فقط؟

للإجابة عن هذا أطرح تساؤلاً: هل تستطيع المرأة وحدها دون مساعدة الرجال المتنورين في المجتمع من تفعيل المنظومة الحقوقية كلها: الحق في التحرر من الفقر والإفقار، الحق في التعلّم والعمل، الحق في الإنصاف القانوني، الحق في تفسير مستنير للنصوص الدينية، الحق في المشاركة السياسية والثقافية، الحق في العدالة الإعلامية… الخ. وبما ان الجواب حتماً: لا. إذاً قضية المرأة هي قضية مجتمع كامل يُقصد به أمران متلازمان، الأول يخصُّ المعرفة والتعليم، والثاني يخصُّ التمكين الاقتصادي والسياسي والقانوني.. وهذا كله أمر مجتمعي.

وهناك بعض النقاط الهامة التي يجب أن نُهدئ بها روع مجتمعاتنا، هي أن التحرر لا يعني التسيّب، ودعاة الحرية هم أيضاً دعاة فضيلة.

كذلك يجب أن نعلم جميعاً أن التحرر ليس ثوباً نرتديه متى نشاء وننزعه عندما نريد. التحرر مسؤولية، والمسؤولية تحتاج إلى درجة عالية من الوعي الذي يؤهّل لمجتمع متحرر يُنتج رجلاً متحرراً وامرأة متحررة. كما أن التحرر لا يعني زيادة عدد النساء في البرلمانات ومواقع المسؤولية دون القدرة على التأثير في القرارات.

والسؤال الآن: ممّن ومن ماذا نتحرر؟ وكيف نوظّف هذه الحرية؟ التحرر يجب أن يتم:

  1. من الذات: إذ إن هناك تشويهاً لصورة الذات لدى جموع النساء، وهناك خوف داخلي من الاستقلال عند معظمهن، وحسب الشيخ البشري: سوء التربية هو الذي أوصل المرأة إلى هذا.. فكيف يمكن بعد هذه التربية السافلة أن نطلب منها أن تكون زينة بيوتنا وأم رجال الغد، وعوناً لنا على الحياة؟
  2. من الصورة المشوّهة للمرأة في عقل المجتمع، وذلك عن طريق تجذير ثقافة مجتمعية داعمة للمرأة ولتمكينها، ابتداءً من البيوت وكتب رياض الأطفال والمدارس والجامعات وبكل وسائل الاعلام ووسائل التواصل، لتغيير الصورة النمطية للمرأة في وجدان المجتمع وفي الإعلام والأدب، مع تحقيق لتكافؤ الفرص بين الجنسين (إذ حتماً نحن لسنا بحاجة إلى امرأة ضعيفة بدل رجل متمكّن، ولا إلى رجل دون أفق فقط لأننا لم نؤهّل المرأة بما يكفي.

كما لا بدّ من نشر الثقافة القانونية ومنظومة الحقوق والواجبات، والتعريف بالاتفاقيات الدولية مع المحافظة على الإنجازات التي حققتها المرأة في العالم عامة وسورية خاصة، والسعي لإزالة أي  من أشكال التمييز ضدّها في التشريعات والسياسات والخطط والبرامج والموازنات التي كفلها لها دستور الجمهورية العربية السورية لعام 2012 في المواد 23- ،33 الفقرة ،3 كل هذا يتطلّب العمل بشكل منهجي ومنظّم للنهوض بواقع المرأة ومعالجة قضاياها وتمكينها واستثمار طاقاتها. أمّا الآليات فهي ليست سراً على أحد، لكن الأهم أن هذا العمل يحتاج إلى إرادة سياسية وإرادة مجتمعية وجبهوية بالمعنى الحرفي والمعنى الأعم من أجل بناء الوطن الذي به نحلم.

يقول أفلاطون: (يمكننا ان نسامح بسهولة الطفل الذي يخاف الظلام، أما مأساة الحياة الحقيقية فهي عندما يخشى الرجال الضوء).

فلنسعَ جميعاً وأنتم القادرون.

 

جلسات المؤتمر

وبانتهاء الكلمات انتهى جلسة الافتتاح، وانتقلت المندوبات إلى انتخاب الرفيقة زينب نبّوه لترأس جلسات المؤتمر، بمشاركة عدد من الرفيقات من دمشق وريفها وحلب والحسكة.

وقد قدّمت الرفيقة زينب تقريراً يشمل تاريخ الرابطة وعملها منذ تأسيسها حتى اليوم، وقد جاء في التقرير ما يلي:

الرفيقات العزيزات مندوبات المؤتمر، لقد لعبت رابطة النساء السوريات منذ تأسيسها في عام 1948 دوراً هاماً في تاريخ المرأة السورية خاصة، والحركة النسائية والوطنية والديمقراطية عامة. كما شكّلت رافداً أساسياً من روافد الحركة التحرر الوطني العربية، وكانت موضع تقدير وطني وعربي وعالمي.

إن انعقاد مؤتمرنا الثامن اليوم له أهمية خاصة، فالمرحلة التي يجتازها وطننا وشعوب البلدان العربية هي من أخطر المراحل في تاريخ العرب المعاصر بسبب التآمر الامبريالي- الصهيوني والأنظمة الرجعية والاستبدادية العربية، إضافة إلى توغّل التيارات الدينية المتطرّفة في كل أنحاء العالم العربي.. نأمل ونتوخى من مؤتمرنا الخروج بمقترحات هامة في ضوء التجربة الغنية التي تصب في مجرى النضال العام من أجل دفع الحركة النسائية الديمقراطية التقدمية السورية إلى الأمام.

تُعاني الحركة النسائية السورية عموماً ضعفاً وتراجعاً ملحوظاً، وهي أقرب إلى الركود، إذ نشاهد حالياً انحساراً ملموساً في مدى ومستوى التنظيم والنشاط بين جماهير النساء، ونعتقد أن هذا نتيجة حتمية لحالة الركود التي عاشتها الحركة الشعبية والوطنية والديمقراطية خلال العقدين الأخيرين، وجاءت سنوات الحرب الأخيرة لتحدث تراجعاً أكبر بكثير. ففيما مضى كانت تجري في البلاد مسيرات واسعة تخترق الشوارع بمناسبات متعددة أهمها عيد الجلاء والعمال، إضافة إلى الاعتصامات وإضرابات مطلبية وتقديم مذكرات سياسية واقتصادية مع قوى تضامنية دعــماً أو احتجاجاً لهذه القضية او تلك، وكانت المرأة مساهمة أساسية في هذه النشــاطات تؤثّر وتتــأثّر بهـــا، إلاّ أن كل هذا توقف.

من هنا تأتي أهمية تكثيف النضال من اجل إحداث انعطاف ديمقراطي تقدمي في حياة البلاد، ورصّ صفوف النساء وتعبئتهن في النضال الوطني والعمل على وحدة الحركة النسائية التقدمية في سورية.

 

مداخلات

بعد ذلك قدمت مندوبات المؤتمر من المحافظات مداخلاتهن المتعلقة بعمل الرابطة والنشاط بين جماهير النساء والآليات المطلوبة لهذا النشاط.

ثم جاءت المداخلات الفردية التي عبّرت جميعها عن هم مشترك هو وضع المرأة السورية بشكل خاص، ووضع المجتمع وتأثيرات الحرب بشكل عام، إضافة إلى تهرّب الحكومة من كثير من التزاماتها وقرارات لجانها التي شكّلتها من أجل مواضيع وقضايا مجتمعية هامة كلجنة تعديل القوانين التمييزية ضدّ المرأة الذي حظي هو الآخر بمكان معتم في أدراج الحكومة ومجلس الشعب الموصدة، كما قانون الطفل الذي قدمت مشروعه الهيئة السورية لشؤون الأسرة وووو الخ.

بعد ذلك جرى انتخاب مكتب الرابطة وتوزيع المهام على الرفيقات المنتخبات لهذه المهمة

 

 نشاط الرابطة في سنوات الحرب

استمر النشاط الرابطي بعدد من الرفيقات القديمات ومن كنّ في مراكز مسؤولة في الرابطة سابقاً، أو ممّن أتين من ريف دمشق ودمشق. فقد سافر العديد من الرابطيات والصديقات مع عائلاتهن إلى الخارج، أو انتقلنَ إلى محافظات وأماكن أخرى أكثر أماناً، كما أن المواصلات أصبحت أكثر صعوبة في كل مكان ممّا أعاق بعض الأنشطة، وبدأ الوضع ينحدر مع قدوم قوافل النازحين من مختلف المحافظات إلى دمشق. فكان أمام الرفيقات مهام متعددة لمساعدة الرفاق والأصدقاء وعائلاتهم، وهنا أمكننا تأمين بعض المزارع والبيوت في النبك لإقامة بعض هؤلاء النازحين وذلك بالتعاون مع رفاقنا في الحزب، وبازدياد أعداد النازحين ساهمت الرابطة بالمساعدة في إيجاد بعض منازل الإيجار ومراكز الإيواء لفترة مؤقتة.

أمّا في مجال المساعدات العينية فكانت الجمعيات الخيرية منها والاجتماعية تقوم باستلام المساعدات المرسلة من الهلال الأحمر وتوزيعها في بعض الأماكن المحددة، بينما نحن واجهتنا صعوبات جمّة في الحصول على مساعدات مشابهة بحكم عدم وجود ترخيص للرابطة بعد تجميدها، والطلب بعدم التعامل معها في سنوات ما قبل الحرب، علماً أن الرابطة كانت قد حصلت على الترخيص منذ عام 1953 وجُدِّدَ في عام 1957 ، وخلال الحرب كنّا قد قابلنا وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل آنذاك من أجل الحصول على مساعدات للنازحين، لكننا لم نحظَ إلاّ بالوعود الخلّبية فقط. وهنا اتجهنا إلى الكنائس مع رفاقنا ورفيقاتنا من النازحين وحصلنا على مساعدات هامة وعامة لمختلف احتياجات الأسر النازحة.

وعلماً أننا كنّا وما زلنا أول منظمة نسائية تقدمية في البلاد، وعملنا بنشاط من أجل تعديل التشريعات المتعلّقة بالمرأة بدءاً من دستور عام 1973 وبعض القوانين الأخرى، نجد اليوم أن المنظمات والأحزاب التي شُكّلت على الساحة السورية خلال السنوات الأخيرة ولها طابع ديمقراطي من أوساط ميسورة سُمّي بعضها بالمعارضة الداخلية، كنّا قد شاركناها ببعض ورشات العمل التي أقيمت في فنادق فخمة في العاصمة واتصف بعضها بأجندات وأهداف غير مناسبة لواقعنا، في هذا الوقت بالذات جرى حل الاتحاد العام النسائي الذي رغم محدودية عطائه وتأثيره في الحركة النسائية السورية، إلاّ أنه عمل على تأهيل النساء واحتضان أطفال العاملات، وكان هناك تعاون بين الاتحاد ورابطتنا في مجالات مختلفة وطنية لاسيما فيما يخص القضية الفلسطينية، إضافة إلى العلاقات الخارجية باعتبارنا عضوين مؤسسين للاتحاد النسائي العالمي. وفي الوقت الذي حُلّ الاتحاد النسائي العام، كانت تنشط منظمات نسائية ذات طابع ديني وعلاقات غير واضحة، لكنها تركت تأثيراً دينياً متطرفاً في أوساط النساء، وهذه التنظيمات مدعومة من أوساط حكومية وعلاقات عربية وأجنبية.

هو ذا واقعنا اليوم، ونأمل أن نتجاوز كل العراقيل والصعوبات من أجل تحقيق ما نصبو إليه على مستوى المرأة خاصة والمجتمع عامة.

العدد 1105 - 01/5/2024