زيارة تثير الكثير من اللغط!

د. صياح فرحان عزام:

قام المستشار الألماني أولاف شولتس يوم 16/4/2024 بزيارة إلى الصين، استغرقت ثلاثة أيام، على رأس وفد سياسي واقتصادي وتجاري كبير ضمّ كبار مديري أكبر الشركات الألمانية، زار خلالها مدينتي شنغهاي وتشونغتشينغ، وهما من أكبر المدن الصناعية والتجارية الصينية، ثم العاصمة بكين، وهذه الزيارة هي الثانية بعد الزيارة الأولى المختصرة له في تشرين الثاني عام 2022، والتي استغرقت 11 ساعة فقط، بسبب كورونا.
هذه الزيارة الأخيرة أثارت الكثير من اللغط داخل الدول الأوربية التي تتهم الصين زوراً وبهتاناً بممارسات تسمّيها (غير نزيهة)، منها حسب الادعاءات الأوربية: زعزعة السوق الأوربية من خلال إغراقها بمنتجات منخفضة الكلفة والأسعار، وتوريد السيارات الكهربائية الصينية، وتوربينات الرياح والألواح الشمسية، ذلك أن مثل هذه الأمور- حسب تصريحات رئيسة المفوضية الأوربية أورسولا فون ديرلاين- تمسّ إجراءات (استراتيجية الأمن الاقتصادي الأوربي)، لأنها تتجاوز الخطوط الحُمر للتعاون التكنولوجي مع الصين، وبهذه الزيارة يكون شولتس قد تجاوز كل المخاوف الأوربية، ويكون أيضاً قد رفض كل المطالب الأمريكية بفصل الاقتصاد الألماني عن الاقتصاد الصيني، ومضى قدماً في زيارته انطلاقاً من مصلحة بلاده أولاً، ومن دون أن يضع في الاعتبار مخاوف حلفائه الأوربيين والأمريكيين، متخذاً مساراً سياسياً متوازناً مع الصين يلبّي مصلحة ألمانيا قبل كل شيء، خاصة في ضوء حلول الذكرى السنوية العاشرة للشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وألمانيا، التي حققت نجاحاً كبيراً للبلدين، باعتبار أن الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وألمانيا أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوربي، كما أنهما واصلا التعاون الناجح وتبادل المنافع بينهما في عصر العولمة، وضخّ الزخم المشترك (الصيني- الألماني) في الاقتصاد الألماني، إضافة إلى تكريس مبدأ المنافسة.

وبحسب المعهد الاقتصادي الألماني، ازداد الاستثمار المباشر الألماني في الصين لهذا العام عن العام الماضي زيادة قياسية، كذلك ازدادت نسبة التبادل التجاري بين الطرفين بشكل لافت.. ووفقاً لمصادر ألمانية مطلعة، فإن الزيارة حققت أهدافها الثلاثة في مجالات الاقتصاد والتجارة والتحدي المناخي، والتحديات الجيوسياسية المتمثلة في الحرب الأوكرانية، والوضع في الشرق الأوسط، واحتمال توسيع الصراع الإقليمي بسبب الحرب على غزة، إذ أكّد الطرفان الصيني والألماني أهمية وضرورة تطوير الشراكة الاقتصادية والتجارية، إلى جانب تأكيد ألمانيا موقفها السابق بتأييد مبادرة الصين للسلام في أوكرانيا والمؤلفة من 22 نقطة، وتريد من دول الاتحاد الأوربي أن تحذو حذوها، بدلاً من السعي لتسعير الموقف.

أمّا موقف كلٍّ من الطرفين من الوضع في الشرق الأوسط فظل متبايناً عن الآخر، إذ تدعم ألمانيا كيان الاحتلال الإسرائيلي، بينما تقف الصين موقفاً معتدلاً وبنّاء يدعو لوقف حرب الإبادة في غزة وانسحاب الجيش الإسرائيلي منها، والالتزام بالقرارات الدولية، ولكنْ، مع هذا التباين، اتفقا على خطورة هذا الوضع وتهديده للسلام العالمي.

العدد 1107 - 22/5/2024